فهو محيط بمدى ما يستقلّه قلب الإنسان من التقوى ، ولا داعي لاثارة الجدل في كون فلان من المؤمنين أم لا ، وهل يدخل الجنة أم النار ، لأنّ ذلك عند الله ، ولا ينبغي التطفّل فيما يختصّ به الربّ سبحانه.
[٢٧] ثمّ يؤكّد ربّنا صدق وعده لرسوله (ص) بدخول مكّة ، الأمر الذي يؤكّد جدوى الصلح ، وكونه الفتح المبين حقّا ، وخطأ تصوّرات البعض حوله ، حيث تصوّروا أنّهم إذ أبرموا الصلح مع المشركين لم يحقّقوا شيئا ، وأنّ الرؤيا التي أخبرهم بها الرسول لم تكن صادقة.
(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ)
أي أنّ دخولكم هذه المرة سيكون دخول المنتصرين .. وحدث ذلك فعلا في السنة الثانية ، حيث فتحوا مكّة ، وكلّ هذه المزايا والنتائج كانت مجهولة لدى المسلمين.
(فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً)
وهو صلح الحديبية ، أمّا الفتح البعيد فهو فتح مكة الذي جاء في أثر الصلح ، وهذا التأكيد من القرآن على تسمية الصلح بالفتح إنّما كان لبيان حقيقة هامّة ، وهي وجوب اتباع القيادة وطاعتها عند ما تختار طريقا معيّنا ، بعيدا عن العواطف ، ذلك أنّ من مشاكل القيادات الثورية الضغوط التي تواجهها من قبل المتحمّسين والمهيّئين نفسيّا للمواجهة ، فهم يريدونها تستجيب لحماسهم ، وإلّا فهي في نظر البعض جبانة وضعيفة ، وعلى القائد أن لا يترك الحكمة للحماس والعواطف لتكون قراراته حكيمة وحازمة.