إنّ الرسول (ص) واجه هذه المشكلة ، إذ كان البعض يستنكر عليه عدم محاربته المشركين ، وحينما صالح اعتبروا صلحه مذلة وإهانة ، بل ودليلا على ضعف سياسته ، ولو كان يستجيب لحماس هؤلاء ما كان المسلمون يبلغون ما بلغوا بعد الصلح ، كما واجه ـ أيضا ـ وصيّه الامام علي ـ عليه السّلام ـ في معركة صفّين معارضة من قبل المتشدّدين الذين سمّوا بعدئذ بالخوارج.
[٢٨] وربّنا يؤكّد حكمة نبيّه ، وصحة قراراته ، لأنّه يتبع هدى الله ودينه ، فلا يصح إذن أن نخالفه أو نشكّك في قيادته.
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)
والظهور (الانتصار) مرّة يكون بالحرب ، ومرّة عن طريق الصلح ، والربّ هو الذي أمر الرسول بالصلح مع المشركين ، وهو تكفّل بإظهار دينه ورسوله والمؤمنين به على سائر الديانات والأمم.
(وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً)
لقد تنامت أمواج الرسالة في العالم منذ انبعاث الرسول العظيم محمد بن عبدالله (صلّى الله عليه وآله) وإلى اليوم. أو ليس ذلك دليلا على تحقّق وعد الله في ظهور الإسلام على الدّين كلّه؟ وقد جاء في التقارير أنّ نموّ عدد المسلمين أكبر من ازدياد المنتمين الى أيّ ديانة أخرى؟ وهكذا تنتظر البشرية اليوم الحقّ الذي وعدها الله إياه حيث يظهر دينه على الدّين كلّه.
[٢٩] ثم إنّ النبي الذي اتخذ قرار الصلح ليس قائدا عاديّا حتى يجوز معه النقاش. إنّه رسول الله الذي عصمه عن الخطأ ، ولم يكن الذين حوله من الرجال قد أصابهم الوهن حتى يجد نفسه مجبرا على الصلح ، فهم ليوث الأرض وفيهم أسد الله