[٤] أما الذين لم تصقل آداب الرسالة نفوسهم ، ولم تصلح سلوكهم فتراهم يغلظون القول مع الرسول ، ويرفعون أصواتهم فوق صوته ، ولا يراعون حرمة البيوت التي لا بد أن تحجرهم عن الإيذاء .. فإنهم لا يعقلون ، وأي عقل لمن لا يحترم مقام الرسالة ، ولا يكرم العلم ولا يعترف بدور القائد القائم بتنظيم الحياة.
(إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)
ولماذا أنشأت الحجرات؟ أليس لتكون سورا تحجر الأذى عمن يسكنها؟
فمن معالم المدنية احترام البيوت ، وعدم انتهاك حرمتها ، سواء بدخولها عنوة أو بإلقاء حجارة أو أذى عليها أو بتسبيب أذى لأهلها ، مثل رفع الصوت المزعج أو إثارة الغبار المؤذي أو تلويث البيئة المضر بأهل البيت ، كل ذلك يعتبر انتهاكا لحرمة البيت ، ومخالفة لحكمة وضع البيوت ، وتعديا على مكان أمن الناس ، ولعله لذلك سميت هذه السورة بالحجرات ، لأن الحجرة تشكل ظاهرة حضارية ، خصوصا إذا كان في الحجرة شخص رسول الله صلّى الله عليه وآله.
جاء في الأثر عن سبب نزول هذه الآية عن زيد بن أرقم أتى أناس النبي صلى الله عليه وآله فقال بعضهم لبعض : انطلقوا بنا الى هذا الرجل فان يكن نبيا فنحن أسعد الناس باتباعه وإن يكن ملكا نعش في جنابه ، فأتوا النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ فجعلوا ينادونه وهو في حجرته : يا محمد يا محمد! فأنزل الله تعالى هذه الآية (١).
[٥] إن للقائد ظروفه الخاصة ، ومهامه التي تكون ـ غالبا ـ ذات صبغة عامة ، ولا بد للناس من رعايتها حتى يسهل عليه أداؤها بأفضل وجه .. أما إذا زاحموه خصوصا في الشؤون الخاصة ، وخلطوا عليه الأوراق ثم انصرف عن مهامه العامة
__________________
(١) تفسير القرطبي / ج ١٦ / ص ٣٠٩