على الامة أن تسفك دماؤها بالتهارج والباطل ، أو يتخرق أمرها الى ما لا يتحصل ، فربما تغير الدين وانقض عمود الإسلام. فلما بويع له طلب أهل الشام في شرط البيعة التمكن من قتلة عثمان وأخذ القود منهم. فقال لهم علي رضي الله عنه : ادخلوا في البيعة واطلبوا الحق تصلوا اليه ، فقالوا : لا تستحق بيعة وقتلة عثمان معك تراهم صباحا ومساء. فكان علي في ذلك أسدّ رأيا وأصوب قيلا ، لأن عليا لو تعاطى القود منهم لتعصبت لهم قبائل وصارت حربا ثالثة ، فانتظر بهم أن يستوثق الأمر وتنعقد البيعة ، ويقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم ، فيجري القضاء بالحق.
ولا خلاف بين الامة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدى ذلك الى اثارة الفتنة أو تشتيت الكلمة ، وكذلك جرى لطلحة والزبير ، فإنهما ما خلعا عليا من ولاية ولا اعترضا عليه في ديانة ، وإنما رأيا أن البداءة بقتل أصحاب عثمان أولى. (١)
ثم يسترسل القرطبي في تفسير حرب الجمل فيقول : وقال جلة من أهل العلم ان الوقعة بالبصرة بينهم (بين المسلمين) كانت على غير عزيمة منهم على الحرب بل فجأة ، وعلى سبيل دفع كل واحد من الفريقين عن أنفسهم لظنه أن الفريق الآخر قد غدر به. (٢)
ولم أهتد الى الفارق بين واقعتي البصرة وصفين أو بينها وبين النهروان. أو لم يخرج الجميع على إمام قائم بالأمر بايعته أكثرية المسلمين فكيف نبرّر خروج أهل البصرة ، وندين أهل الشام أو الخوارج؟
هب أن القتال كان فجأة ، ولكن ماذا يبرر إخراج حرم رسول الله من المدينة الى البصرة وتجنيد الجيوش وإظهار المخالفة بهذه الطريقة؟
__________________
(١) القرطبي / ج ١٦ / ص ٣١٨
(٢) المصدر