وأظن أن تاريخنا قد حفل بالتبرير ، وربما التناقض لسبب نفسي مغلف بشبهة دينية! أما السبب النفسي فهو الخلط بين قيم الدين وحوادث التراث ، ومحاولة اضفاء حالة من القداسة على التراث ، دون عرضه على قيم الوحي أو نقده حسب موازين الشرع ، فكل ما يسمى بالإسلام أو بالمسلمين أو بالتاريخ الاسلامي ذات حرمة بل قداسة عند البعض ، بينما نجد في تاريخنا ما يندي له جبين الانسانية ، مثل واقعة عاشوراء حيث ذبح سيد الشهداء سبط رسول الله عطشانا على جنب الفرات وأسرت بنات رسول الله وطوف بهن البلاد .. كلا لا ينبغي أن نكون مثل الذين اتبعوا آباءهم وقدسوا تراثهم حتى قال لهم الله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ ، قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا ، أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) (١) وقال سبحانه : «وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ». (٢)
المقياس الوحيد للحق هو وحي الله المتمثل في كتاب الله ، وتفسيره الصحيح الذي بينه رسول الله وأهل بيته المعصومون عليهم السلام ، أو ما يكشفه العقل والعلم بوضوح كاف .. أما سيرة السلاطين ، أو سلوك الأولين فانه يخضع بدوره للوحي ، فما وافق كتاب الله وسنة رسوله أكرمناه ، وما خالفهما تركناه .. ولا يجوز تعطيل العقل في فهم الوحي لمصلحة التراث ، فإنّه من الغلو في الدين الذي نهينا عنه ، كما قال الله سبحانه لبني إسرائيل : «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ، وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ ، وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ». (٣)
__________________
(١) لقمان / ٢١
(٢) المائدة / ١٠٤
(٣) المائدة / ٧٧