ج / يبدو ان البغاة لا يضمنون ما أتلفوه من مال أو أراقوه من دم ، كما لا يضمن لهم ما تلف منهم من مال أو دم ، لأن الصلح يعني تنازل كل طرف عما يعتقد أنه حقه في مقابل تنازل الطرف الآخر. هذا إذا تم الصلح ، وفي حالة استمرار القتال حتى تفيء الفئة الباغية فان مقتضى جعل العودة الى أمر الله نهاية للقتال أنه ليس هناك حكم آخر كالقصاص والضمان ، وإلّا جعلا حدّا للقتال ، وهذا هو الظاهر من الروايات التي تبيّن أحكام البغاة إذ لم أجد فيها حديثا يتعرض لأحكام القود والضمان والغرامة مع أنها في مقام البيان.
كما ان هذا هو المعروف من سيرة أمير المؤمنين عليه السلام ، فلو أراد الاقتصاص منهم لقتل بعض أسراهم ممن كان يقود الجيش المعادي كمروان بن الحكم وعبدالله بن الزبير الذين لا ريب في تعلق القصاص بهم.
جاء في التاريخ ان الامام أمير المؤمنين عليه السلام لما هزم أهل البصرة ذهب الى دار عظيمة كان فيها أسرى الحرب فاذا نساء يبكين بفناء الدار فصحن به وقلن : هذا قاتل الأحبة ، فبعث إليهن واحدة وقال : «لو كنت قاتل الأحبة لقتلت من في هذه الحجرة ومن في هذه» وأومأ الى ثلاث حجر فذهبت إليهن وقالت لهن فسكتن جميعا ، وكان في واحدة منها عائشة وخاصتها ، وفي الثانية مروان بن الحكم وشباب من قريش ، وفي الأخرى عبدالله بن الزبير وأهله. (١)
وقال القرطبي في تفسيره : وما استهلكه البغاة والخوارج من دم أو مال ثم تابوا لم يؤخذوا به ، وقال أبو حنيفة : يضمنون ، وللشافعي قولان ، وجه قول أبي حنيفة أنه إتلاف بعدوان فيلزم الضمان ، والمقول في ذلك عندنا ان الصحابة رضي الله عنهم في حروبهم لم يتبعوا مدبرا ولا ذفّفوا على جريح ولا قتلوا أسيرا ولا ضمنوا
__________________
(١) جواهر الكلام / ج ٢١ / ص ٣٣١