أنى مشت مواكبها ، ومن أبرز سيئات مثل هذه التصورات هدم الجسور الطبيعية بين أبناء آدم ، وإشاعة روح التباغض والتناحر بينهم ، مما يجعلهم في مواجهة بعضهم ، وقد يدفعهم نحو الحروب الطاحنة التي لم يتخلص منها البشرية طوال تاريخها المعروف بسبب تمسكهم بهذه القيم الجاهلية.
من أجل ذلك دعت رسالات الله الى رفض هذه القيم التي ما أورثت الانسانية إلا خبالا .. والاستعاضة عنها بقيمة التقوى .. وقالت الآية الكريمة :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ)
والخطاب لم يخص المؤمنين بالرغم من ان سياق السورة يقتضي ذلك ، لأنه كان ينظم العلاقة بينهم. ربما لأن هذه تنفع البشرية كما تنفع المؤمنين ، وإذا كان الناس جميعا مدعوون إليها فالمؤمنون أولى بالتمسك بها. ثم إن علاقة المؤمنين بغيرهم ينبغي أن تقوم على أساس هذه البصيرة ، فلا يجوز أن يعتبر العرب منهم أنهم الأعلى بلغتهم أو عنصرهم ، فتشكل هذه العقيدة الجاهلية حاجزا دون دخول سائر الشعوب في دين الله.
(إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى)
فالأصل واحد ، وإذا كنا نكرم آباءنا ، فكلما تقدمنا في الزمن فلن نتجاوز أبانا الأكبر ، وجدتنا الكبرى ، آدم وحواء. فأولى بنا أن نجعلهما محورا ونكرم كل من ينتمي إليهما من سائر البشر.
قالوا : والآية تدل على أن خلقة الإنسان ليست بماء الذكر فقط ، وإنما يشترك فيها ماء الأنثى كما قال ربنا سبحانه : «خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ