حينما تسقط القيم الزائفة ، والعصبيات الجاهلية المتخلفة ينفتح أفق التنافس الشريف على الخيرات التي يلخصها القرآن هنا بكلمة «التقوى» ويفصلها في آية مشابهة قائلا :
«وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (١).
ونستلهم من لحن القول في هذه الآية : إن التنافس على العمل الصالح والتسابق في الخيرات هو هدف اختلاف الشعوب ، وإن لكل منهم شرعة ومنهاجا ، بل إن هذا الاختلاف والتنوع مطلوب إذا كان وسيلة للتنافس البناء ، والتعارف والتعاون ، كما ان الاختلاف بين الناس في مجتمع واحد هدفه التسارع الى الخيرات ، والتعاون فيها كذلك التفرع بين الشعوب والمجتمعات المتنوعة أليس يقول ربنا سبحانه :
«أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» (٢).
وإذا كان الهدف من هذا التنوع التسارع في الخيرات ، فان أكرم الخلق عند الله من استبق إليها ، فالأقرب الى الصراط المستقيم ، والأسبق في الصالحات هو الأكرم ، لأنه الذي يحقق الهدف دون غيره ، والى هذه تشير كلمة التقوى .. أليست
__________________
(١) المائدة / ٤٨
(٢) الزخرف / ٣٢