التقوى هي المعرفة بالله والعلم بشريعته ، والاجتهاد في تنفيذها؟
وأصل الكلمة من الوقاية ، أي التحصن ضد أسباب الهلاك ولا تحصل هذه الوقاية من دون معرفة الطريق والاستقامة عليه ، بعيدا عن أمواج الفتن ، وضغوط الهوى ورياح الشهوات ، لذلك كانت التقوى أرفع درجة من الايمان ، كما إن الايمان أرفع درجة من الإسلام ، وقد قال الامام الرضا ـ عليه السلام ـ : «الايمان فوق الإسلام بدرجة ، والتقوى فوق الايمان بدرجة ، واليقين فوق التقوى بدرجة ، وما قسم في الناس شيء أقل من اليقين» (١).
وإنما رفع الإسلام قواعد المجتمع الفاضل على أساس التقوى ، لأنه من دونها تمزق العصبيات الجاهلية التجمع البشري ، ولا تدعه يتكامل ، بل في كثير من الأوقات يتقابل مع بعضه ، ويسير في طريق الهدم.
قال الله سبحانه : «إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً» (٢).
إن كلمة التقوى هي صبغة التجمع الايماني ومحوره ، وعماد تماسكه ، ومبعث قوته ، بينما العصبيات الجاهلية هي صبغة سائر المجتمعات غير الايمانية .. وحين حارب الإسلام هذه العصبيات استطاع أن يصهر المجتمع الجاهلي المتشرذم في بوتقة التوحيد ، ويبني منه تلك الحضارة التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا.
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية : ان النبي صلّى الله عليه وآله أمر بني
__________________
(١) تفسير نمونه عن بحار الأنوار / ج ٧٠ / ص ١٣٦
(٢) الفتح / ٢٦