تساؤل تافه للمشركين؟ كلّا .. وإنّما يوجّه أنظارهم إلى الآيات الكفيلة بهداية من يريد إلى الايمان بالبعث ، وذلك باثارتهم نحو التفكير في سنّة الجزاء الحاكمة في الكون من خلال دراسة شواهدها في التاريخ ، فهؤلاء قوم تبّع ومن يسبقهم من الأقوام لقوا جزاءهم حينما اختاروا سبيل الضلال والجريمة.
(أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ)
وتبّع أحد ملوك اليمن الصالحين ، اقتفى آثار أحد الأولياء ، وتبعه في مسيرته ، وفي الأخبار نهي عن لعنه ، فعن النبي (ص) أنّه قال : «لا تسبّوا تبّعا فانّه كان قد أسلم» (١) وإنّما الذين أجرموا قومه فأخذهم الله بالعذاب ، وحيث يندرج هذا الجزاء في سنّة الهيّة كونيّة فانّ العذاب قد ينال كلّ بشر إذا انتحل الاجرام.
[٣٨ ـ ٣٩] وسنّة الجزاء ليست أمرا شاذّا عن طبيعة الحياة ، إنّما هي نابعة من صميم الخلق ، ذلك أنّ الله خلق السموات والأرض لغاية سامية ، الأمر الذي يقتضي الجزاء ويحتمه.
(وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ)
إنّما خلق الله كلّ شيء لهدف محدد ، مهما كان ذلك الشيء صغيرا وتافها في نظر الإنسان ، وقد تقرّر في علم الفسيولوجيا (وظائف الأعضاء) أنّ كلّ شيء في الإنسان يؤدّي دورا معيّنا ، ولا يكون الإنسان كاملا إلّا به ، حتى الشعرة الواحدة ، بل حتى جزء الخلية المتناهية في الصغر ، فهل يعقل إذن أن يكون ربّنا قد خلق الإنسان بأكمله عبثا؟! كلّا .. إنّ له هدفا في الحياة ، وهو مسئول عن كلّ شيء
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٤ ص ٦٢٩