يسجل فيه كل شيء بدقة متناهية ، أو ليس الله هو الذي خلق الإنسان من بعد العدم؟ فكيف يعجز عن جمع أوصاله وبعثه بعد الموت؟ إنه يعلم كم أكل التراب من جسم هذا الإنسان؟ وما هي الذرة من التراب التي كانت سابقا جزءا من بدنه؟ وكيف تحللت منه؟ وحين مات كم كان يحتوي عليه جسمه من الحديد ، والأملاح ، والماء وسائر العناصر بنسبها ووزنها ومساحتها التي تشغلها ، وكم في كل عضو منها و.. و.. إلخ؟!
إن الإنسان ليتعجب لو نظر إلى صندوق يحوي ملايين القطع التي يتكون منها محرك الطائرات العسكرية ، أو جهاز معقد آخر ، وربما لا يصدق ان أحدا قادر على جمعها وتركيبها لتصير إلى ذلك مرة أخرى ، أما الخبير الذي اخترعها وصنعها فليس كذلك ، إنه ينظر للأمر على انه ممكن ، بل هو أمر يسير ، فكيف بالله الذي خلق الأشياء ، والذي كان أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون؟
[٥] إن مشكلة الكفار انهم لا يتبعون الحق ، بل لا يريدون اتباعه ، لهذا تراهم لا يفقهون هذه الحقائق ، ولا يثبتون على رأي واحد في الحياة لاتباعهم أهواءهم ، إذ الحق واحد وثابت في كل زمان ومكان بينما الهوى متغير.
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ)
والذي يؤكد هذه الفكرة موقفهم من الرسول (ص) ، فهم يسمونه ساحرا تارة ومجنونا أخرى ، وشاعرا ثالثة ، وأمينا وصادقا و.. و.. إلخ ، ولو أنهم اتبعوا الوحي لكان يعطيهم بصيرة وجوابا لكل سؤال ، حتى سؤالهم هذا عن البعث ، ولكنهم تركوه للهوى والمصالح فصاروا إلى الهرج والمرج ، ولعل هذا يفسر بروز النظريات المختلفة والمتناقضة في مختلف الحقول الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.