وهي ان الايمان بالله مركز العلم الحق ، ومنطلق الايمان بسائر الحقائق ، فالمؤمن يهتدي من خلال نظره إلى الأشياء ، إلى المعارف والعلوم المختلفة ، فاذا به ذو بصيرة نافذة في الحياة ، كما يزداد يقينا بالحق ، لأنه ينظر إلى الحياة بنور الايمان بالله عزّ وجلّ ، وهو رأس المعرفة وعماد الايمان ، بينما ينظر الكافر إلى ذات الأشياء ، فلا يزداد إلّا جهلا وكفرا ، وتبقى الآيات الواضحة ألغازا في قلبه لأنه لا نور له في الحياة «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ» (١). لهذا جاء في الحديث المأثور عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به». (٢)
إن المنهج السليم هو الذي يجعل الايمان بالله ومعرفته منطلقا لسائر المعارف ، وليس الذي يجعل المعارف والحقائق الأخرى دليلا إلى الله ، لأن الله أجلى وأظهر من كل شيء. قال الامام الحسين (ع): «إلهي ما أقربك مني وأبعدني منك ، وما أرأفك بي ، فما الذي يحجبني عنك؟! إلهي علمت باختلاف الآثار ، وتنقلات الأطوار أنّ مرادك مني أن تتعرف إلى في كل شيء ، حتى لا أجهلك في شيء .. ـ إلى أن يقول ـ إلهي ترددي في الآثار يوجب بعد المزار ، فاجمعني عليك بخدمة توصلني إليك ، كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك؟! متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟! ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟!» ثم إن الامام يخاطب ربه بطريقة توحي الاعتذار منه تعالى جعله المخلوقات دليلا على الله ، مبينا انه لم يكن يعمد إلى ذلك لولا أمره عزّ وجلّ بالنظر إليها ، وهو مع ذلك يطلب منه أن يرفعه إلى الدرجة الأصح والأفضل من المعرفة ، فيقول : «إلهي أمرت بالرجوع إلى الآثار فارجعني إليك بكسوة الأنوار ، وهداية الاستبصار ، حتى أرجع
__________________
(١) النور / ٤٠
(٢) نهج / خطبة (١)