ونستفيد من الآيتين ان مجرد نزول المطر لا يكفي لخروج الجنان والحب والنخيل من الأرض ، بل لا بد من عناية إلهية في الأمر. فلو كانت الأرض التي يهطل عليها الماء غير صالحة ، أو كانت صالحة ولكن أهلها مشغولون عن زراعتها ، فهل كان ذلك يحولها إلى جنات وزروع؟ كلا .. فهي محتاجة إلى إنبات الله عزّ وجلّ لها برحمته ، ليجد العباد رزقهم فيها ، ولتكون صالحة للسكن فيعمروها.
(رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً)
إنك ترى الأرض هامدة لا حراك فيها وقد هجرها الناس ، فاذا بها بعد نزول الماء تحكي الحياة في كل جوانبها ، وبكل أشكالها. فبعد أن يؤمن الناس رزقهم ينشطون لبناء مدينتهم وتوفير سائر مظاهر الحضارة فيها.
ولعل هذا شاهد على أن الزراعة أصل كل حضارة ، وهذه إحدى النظريات الحضارية حيث قالوا : إنها ناشئة من تراكم المحصولات الزراعية التي تتراكم الثروة بعد بيعها وتبدأ بها دورة الحضارة .. ولا ريب ان حضارات عديدة في التاريخ نشأت بهذه الطريقة.
أترى إن الذي أحيا البلاد بعد موتها يعجز عن أحيائنا بعد الموت؟!
(كَذلِكَ الْخُرُوجُ)
وفي الروايات إشارات إلى إن الإنسان يتلاشى في التراب ، ويبقى منه مقدار ذرة واحدة (خلية) حية تتعلق بها الروح في عالم البرزخ ، فاذا أراد الله بعثه أمطر السماء أربعين صباحا ، وجعل الأرض كرحم الأم ، فتنمو فيه تلك الذرة ، ولكن بصورة سريعة ، فاذا بالأرض تنشق عن بشر سوي. وليس من عجب أن يحدث ذلك ، فهذا هو الإنسان يبدأ حياته من نطفة صغيرة جدا تنطلق من صلب الأب إلى