مهانا. حتى إن البشر ليذهلون من دقة الكتاب : «وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً* وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» (١).
[١٩] بلى. إن الإنسان يخشى من الموت ، ويحاول جهده الفرار من ساحته ، ولكن متى كان مصيره في يده ، أو كان قادرا على ردّ قضاء الله؟ كلا. إن سكرة الموت تأتيه فتذهله عما يحيط به ، كما تذهل سكرة الخمرة شاربها ويومئذ يعرف أن محاولاته في الهروب من الموت والتي استغرقت أكثر مساعيه باءت جميعا بالفشل.
(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)
[٢٠] وحينما يموت الإنسان تبقى بينه وبين الجزاء الحقيقي مسافة البرزخ ، فاذا كان يوم القيامة ، أمر الله ملكا عظيما من ملائكته يقال له إسرافيل بالنفخ في الصور فيحدث عندها صوت عظيم مهيب يقوم الناس بسببه من الأجداث بإذن الله عزّ وجلّ «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ» (٢) وتلك النفخة إيذانا منه تعالى ببدء أعظم وأرهب محكمة في عالم الإنسان حيث تقف الانسانية وبكل أجيالها التي تعاقبت على هذه الأرض ، تزدحم بهم آفاقها ، أحسنهم حالا يومئذ من وجد لقدميه موضعا ولنفسه متسعا ، يسبحون في بحر من العرق الذي تنفصد به أبدانهم. وهناك تتقطع بينهم الأسباب والوشائج فيتبرأ الواحد من أقرب الخلق اليه ، من ولده وزوجته وأمه وأبيه وأخيه.
__________________
(١) الكهف / ٤٨ ـ ٤٩
(٢) يس / ٥١