قدرة سواه تعالى إكراه باتجاه معاكس لما يريد ، كان من أبرز معاني الفصل أن يتحمّل المسؤولية شخصيا حتى يكون يومئذ مفصولا عن سائر الناس.
(يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ)
بلى. قد يضغط من حول الإنسان عليه باتجاه معيّن ، ولكنّ الموقف الحاسم يبقى رهن إرادته وحده ، ولكي يتجنّب التأثر بالضغوط السلبية صوب الباطل يجب عليه أن يلقي نظرة إلى الآخرة ، حيث يخذله الجميع وينفصلون عن نصرته ، بل لا يجدون الى ذلك سبيلا ، ويقف هو وحده بعمله.
ثم إنّ السياق القرآني ينعطف بعد هذا التخويف ليثير فينا الأمل والرجاء ، حينما يذكّرنا برحمة الله إلى جانب عزّته ، فبعزّته جعل سنة الجزاء ، وبرحمته جعل الشفاعة والمغفرة لهذا الإنسان الضعيف ، فقد استثنى من بين سائر الناس الذين تتقطّع بهم الوشائج ، ويرتهنون بأعمالهم السيئة ، وأولئك الذين تشملهم رحمته عزّ وجل فقال :
(إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ)
فهداه إلى الايمان ، ووفّقه للعمل الصالح في الدنيا ، وغفر له ذنوبه ، وشفّع فيه أولياءه في الآخرة ، فانّه تغني عنه شفاعة الصالحين ، وينصره الله على العقبات.
(إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)
قال الشحّام : قال لي أبو عبد الله (ع) ونحن في الطريق في ليلة الجمعة : اقرأ فانّها ليلة الجمعة قرآنا ، فقرأت : «(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) (الى قوله) (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ)» فقال أبو عبد الله (ع) : «نحن والله الذين استثنى الله فكنّا نغني عنهم» (١).
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٤ ص ٦٢٩