جعل مع الله آلهة أخرى ـ وقد أمر به إلى النار ـ يريد التخلص من عذابها بإلقاء مسئولية انحرافه وضلاله على قرينه.
(قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ)
إنه كاذب في ادعائه بانني السبب في طغيانه ، ثم يستدل قائلا :
(وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)
ربما يكون للآخرين دور في انحراف مسيرة الإنسان ولكنه لا يعدو كونه مساعدا ، أما الدور الأكبر والسبب الحقيقي مرهون باختياره وإرادته للباطل دون الحق ، فلأنه أساسا اختار الضلال تجد مساعي الآخرين والظروف المتجانسة مع اختياره موقعا مؤثرا في حياته.
[٢٨] ثم إن التخاصم عند الله لا ينفعهم شيئا وذلك لما يلي :
أولا : إن المصير الذي صاروا اليه لم يكن مفاجئا ولا غامضا بالنسبة لهم. وكيف يكون كذلك وقد أقام الله الحجة البالغة عليهم ، وأنذرهم من هذه العاقبة ، عبر كتبه ورسله؟
(قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ)
وأنذرتكم من أن الشرك والضلال يستوجب العذاب الشديد ، وضربت لكم المثل تلو المثل من حياة الأقوام السابقة (الآيات ١٢ إلى ١٤) ولكنكم كذبتم النذر ، واستهزأتم بالوعيد ، والقرآن يفصل هذه الحقيقة في موضع آخر ، يقول تعالى : «(تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ* قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ*