جاءت الصيغة بالمفرد ، إلّا أنّها تشمل كلّ مجرم ، وصيغة المفرد بيان للخذلان الذي يلقاه أهل النار من أقرانهم وسادتهم في الدنيا حيث لا ناصر ولا معين لهم فيها.
[٤٨ ـ ٤٩] وبعد سحب كلّ واحد منهم إلى سواء الجحيم ، يأمر الله ملائكة العذاب باهانته ماديّا ، بصبّ العذاب على رأسه ، وهو أكرم موضع لدى الإنسان ، ومعنويّا بالكلمات الجارحة ، وهذا جزاء الاستكبار في الدنيا على الحقّ والمؤمنين.
(ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ)
وحيث الدلالة في «من» تنصرف للتبعيض ، تدلّ الآية على أنّ العذاب لا يصبّ مرة واحدة ، وإنّما مرات ومرات بلا انقطاع ، مبالغة في الإيذاء ، وهل ينتهي الأمر إلى هذا الحد وحسب؟ كلّا .. إنّما يهان بالكلام أيضا فيقال له :
(ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)
وروي في جوامع الجامع أنّ أبا جهل قال لرسول الله (ص) : ما بين جبليها أعزّ ولا أكرم منّي. (١)
وفي تفسير علي بن إبراهيم قال : أنّ ذلك ردّ على أبي جهل ، وذلك أنّ أبا جهل كان يقول : أنا العزيز الكريم وفيعير بذلك في النار. (٢)
وقال بعض المفسرين : إن ذلك إهانة واستهزاء إلى جانب العذاب المادي ، وهو نظير لاكرام الله المؤمنين في الجنة بالسلام عليهم إضافة لنعيمها ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى : «وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ» (٣) ، وهذا تفسير صائب ، ولكن يبدو لي تفسير آخر للآية وهو أن الله لم يخلق الإنسان ليلاقي
__________________
(١ ، ٢) نور الثقلين / ج ٤ ص ٦٣٠
(٣) الزمر / ٧٣