هذا المصير السيء ، وإنما خلقه ليرحمه فيعيش كريما معززا ، ولكنه اختار هذا المصير ، واشتراه بعمله السيء ، إذ لم يستطع الاستقامة على الفطرة والصبر على الحق ، والآية جاءت تذكيرا لهذه الحقيقة.
[٥٠] أمّا عن السبب الذي يوصل الإنسان إلى الذلّ بعد العزة ، وإلى الهوان بعد الكرامة ، فهو شكّه في الجزاء ، لأنّ الشك فيه يجعله يعيش بعيدا عن المسؤولية والرقابة تجاه سلوكه وأعماله.
(إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ)
أي تشكون والشك أعدى أعداء الايمان ، لأنّه ينتهي إلى الكفر والجحود ، ويعطّل طاقات الإنسان وقدراته أن يوجّها في صناعة المستقبل الأبدي ، فهو إنّما يلتزم بالحق ، ويضحّي من أجله بكلّ شيء ، عند إيمانه بأنّ هذه التضحيات سوف ترد عليه في الآخرة في صورة الثواب ، فكيف يضحّي إذا شك في الجزاء؟
وقد حذّر الامام علي (ع) من خطر الشك فقال : «لا تجعلوا علمكم جهلا ، ويقينكم شكّا ، إذا علمتم فاعملوا ، وإذا أيقنتم فأقدموا» (١) ، ومشكلة أكثر الناس أنّهم يعلمون الحق ويؤمنون به ، ولكنّه لا يتحوّل في حياتهم إلى منهاج عمل ، لجبنهم وفرارهم من تحمّل المسؤولية ، فاذا بهم يشكّكون أنفسهم.
إنّ على الإنسان أن لا يشك بأنّ هواجس الشيطان تحيط به من كلّ جانب ، بل ويستعد لمواجهتها ، بخوف العاقبة السوء ، وعزيمة الايمان.
[٥١ ـ ٥٣] وفي مقابل هذه الصورة يبيّن لنا القرآن الحكيم نعيم المتقين وكرامتهم عند الله ، وتختلف نعم الآخرة عن الأخرى الدنيوية. إنّها خاصة بالمتقين ، وهم
__________________
(١) نهج البلاغة / حكمة ٢٧٤