الذين يحفظون أنفسهم عن المحرّمات ، ويؤلمون أنفسهم بترك الهوى ، وبالصبر على المصائب وألوان الأذى في الله ، وأخيرا بالاستقامة على الحق حتى الموت ، ذلك أنّ طريق الجنة محفوف بالصعاب والمكاره ، يقول الامام علي (ع) وهو يوبّخ الذين يريدون الجنة بلا ثمن : «أفبهذا تريدون أن تجاوروا الله في دار قدمه ، وتكونوا أعزّ أوليائه عنده؟ هيهات! لا يخدع الله عن جنته ، ولا تنال مرضاته إلّا بطاعته» (١).
نعم. إنّ الإنسان لا يستطيع بلوغ طموحاته اليومية ، بالتمنيات والأحلام ، فكيف يبلغ بها الجنة وهي اسمى الطموحات ، وأعلى الأهداف؟! ثم إنّ الإنسان يحقّق طموحاته في الدنيا بالسعي ، بينما لا يكفي السعي وحده لدخول الجنة ، إنّما لا بد من العمل الصالح الذي يخلص صاحبه فيه نيته ، إذ لا يتقبّل الله إلّا من المتقين ، والكثير من الناس يصلّون ويصومون ويحجّون وينفقون ولكن عبثا ، ولا يبلغون بذلك جنات الخلد ، لأنّها ليست خالصة لله ، وكيف ترفع الصلاة المحاطة بالشرك والسهو؟! وكيف يتقبّل الصيام رياء وسمعة؟! وكيف يكون سعي الحاج مشكورا وحجّه مبرورا وهو يخضع للطاغوت؟! «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» (٢) وفي الأخبار أنّ العبادة أو الشعيرة التي يمارسها صاحبها لغير وجه الله تصير يوم القيامة حجرا تصك بها جبهته.
ونتساءل : من هو المتقي إذن؟
إنّ المتقي هو الذي يتحوّل فعل الخير في حياته إلى سلوك مستمر ، أمّا الذي يفعل الخير إذا حقّق مصالحه وأهواءه ، وأمّا إذا محّص بالبلاء تركه ، فانّه ليس بمتقي .. وربّنا وعد المتقين وحدهم بالمقام الأمين عند ما قال :
__________________
(١) المصدر / خطبة ١٢٩
(٢) المائدة / ٢٧