بعكس الدنيا تماما حيث لا بد للإنسان فيها من السعي لكي يصل إلى رغباته ، والتنازل عن شيء للظفر بشيء آخر ، وصدق أمير المؤمنين (ع) حيث قال : «أيها الناس! إنّما أنتم في هذه الدنيا غرض تنتضل فيه المنايا ، مع كل جرعة شرق ، وفي كلّ أكلة غصص! لا تنالوا منها نعمة إلّا بفراق أخرى ، ولا يعمّر معمّر منكم يوما إلّا بهدم آخر من أجله ، ولا تجدّد له زيادة في أكله إلّا بنفاد ما قبلها من رزقه ، ولا يحيا له أثر إلّا مات له أثر ، ولا يتجدّد له جديد إلّا بعد أن يخلق له جديد ، ولا تقوم له نابتة إلّا وتسقط منه محصودة» (١). أمّا في الجنة فالمتقون آمنون من كلّ هذه العيوب والنواقص.
[٥٦] (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى)
التي ذاقوها في الدنيا ، وهذه الآية اشارة لنعمة الخلود ، وهي من أعظم النعم والغايات التي يتمنّاها البشر.
وإلى جانب هذه المنّة يذكّرنا ربنا بنعمة عظيمة أخرى ، وهي الوقاية من النار ، والتي يعدّها القرآن في موضع آخر فوزا عظيما ، حيث يقول عزّ وجل : «فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ» (٢).
(وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ)
تلتقي كلمة «المتقين» مع تعبير «وقاهم» في نقطة هامة ، وهي أنّ التقوى التي كانت تحجز هؤلاء عن ارتكاب المعصية في الحياة الدنيا ، هي التي تكون واقية لهم من العذاب في الآخرة.
__________________
(١) نهج البلاغة / خ ١٤٥
(٢) آل عمران / ١٨٥