[٥٧] ومع ذلك يؤكّد ربنا بأن هذا الجزاء ليس نتيجة التزام الإنسان برسالة الله وتعاليمه ، لأنّ ذلك واجب طبيعي عليه فطرة وعقلا ، فهو خالقه ورازقه ومالكه الذي يهب له الحياة لحظة بلحظة ، ويأتي هذا التأكيد والتذكير ليعين المتقين على مواجهة الغرور والعجب.
(فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
وبدون هذا الفضل الإلهي لا يفوز بشر أبدا ، ولا ينجو من العذاب ، وفي الحديث القدسي قال عزّ من قائل : «فلا يتّكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها ، فانّهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم وأعمارهم في عبادتي كانوا مقصّرين غير بالغين ما يطلبون من كرامتي ، والنعيم في جناتي ، ورفيع درجاتي في جواري ، ولكن رحمتي فليبغوا ، والفضل منّي فليرجوا ، وإلى حسن الظنّ بي فليطمئنّوا ، فانّ رحمتي عند ذلك تدركهم ، وهي تبلّغهم رضواني ومغفرتي ، وألبسهم عفوي ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم» (١) ، وحتى الأنبياء والأولياء إنّما يدخلون الجنة بفضل الله ، وحتّى أعمالهم الصالحة ، إنّما هي فضل من الله عليهم. أو لم يقل ربّنا مخاطبا سيد البشر محمد بن عبدالله (ص) : «إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً» (٢).
[٥٨] وقبل أن يختم ربنا سورة الدخان يصف كتابه الكريم ، وهو المنهاج الذي يبلغ بالإنسان درجة التقوى ثم الجنة ، وبالتالي هو فضل الله الذي ينجي به من النار إذا ما استذكر به واتبع آياته الميسّرة.
(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)
__________________
(١) بح / ج ٧٢ ـ ص ٣٢٢
(٢) الإسراء / ٨٧