هكذا يلخّص ربنا هدف كتابه في التذكرة ، لأنّه بما فيه من مواعظ ومعارف إنّما جاء ليذّكر الإنسان بعهده مع ربّه. أوليس أعدى أعداء البشر في الحياة الغفلة؟ بلى. وما وظيفة الأنبياء والرسل ـ عليهم السلام ـ سوى تبليغ هذه التذكرة وبيانها للناس .. ولو لا أنّ الله سبحانه قد يسّر القرآن لم يكن البشر يعقلون حرفا منه ، كيف وهو يذكّرنا بالغيب المحجوب علمه عنّا ، بتلك السنن الثابتة لحقائق الخلق ، بصفات الرب ، بأشراط الساعة ، بما في الحياة الآخرة التي قد تبعد عنّا ملايين السنين ، وفي الحديث المأثور عن الامام الصادق (عليه السلام): «لولا تيسيره لما قدر أحد من خلقه أن يتلفّظ بحرف من القرآن ، وأنّى لهم ذلك وهو كلام من لم يزل ولا يزال» (١).
وقد نستوحي من هذه الآية بصيرتين :
١ ـ إنّ الله جعل القرآن عربيّا بلغة الرسول وقومه تيسيرا لفهمه ، وبالتالي التذكّر به. أو رأيت لو كان القرآن بلغة أخرى هل كان يفهمه العرب بيسر وسهولة؟ ثم هل كانوا يتعظون به؟ كلّا .. ومن هنا فانّ المنهاج الأفضل لتيسير فهم القرآن للمسلمين غير العرب ليس ترجمته ، وإنّما تعليمهم لغة القرآن نفسه.
٢ ـ إنّ للرسول دورا هامّا في بيان القرآن ، وتقريب الأذهان الى معانيه التي لا تتيسّر إلّا بكلامه (ص) ، ومن هنا فانّ أي منهج يبتعد عن السنة (أحاديث الرسول وأئمة الهدى) في فهمه وتدبّره لمعاني الوحي سوف ينتهي الى تفسيرات وتأويلات خاطئة أو قاصرة. أو لم يضلّ الكثير ممّن حاولوا فهم القرآن من خلال الفلسفات البشرية في متاهات خطيرة.
[٥٩] وكالكثير من السور يختتم الباري عزّ وجل هذه السورة ، بإنذار مبطّن
__________________
(١) تفسير نمونه / ج ٢١ ص ٢١٩ نقلا عن تفسير روح البيان / ج ٨ ص ٤٣٣