فالذين يستوعبون دروس الخليقة ، ويحفظون المعلومات ليضيفوها إلى بعضها ، ويتفكّرون فيها جميعا ليعرفوا السنن التي تجريها والأنظمة التي تسيّرها ، هم أولئك الذين يصلون عبر الآيات الالهية إلى الحقائق الكبرى.
ولعلّ هذا التدرّج من الايمان إلى اليقين إلى العقل يوحي بأنّ الايمان هو تسليم النفس البشرية للحق ، واليقين درء للشكوك والظنون ، وترسيخ للسكينة في النفس ، أمّا العقل فهو لوعي تفاصيل الحقيقة للمحافظة على اليقين والزيادة فيه.
وبتعبير آخر : يكون الإنسان ضالا ، فإذا أطاع القلب الشيطان يصبح كافرا ، وإذا خرج الملك حتى أتمّ الشيطان هيمنته على القلب فقد أمسى صاحبه جاحدا مطبوعا على قلبه بالكفر ، أمّا إذا هزم القلب شيطانه ، وأسلم لربّه ، فقد آمن ، وإذا ازدادت هيمنة الملك على القلب حتى ثبّته الله على الايمان ، وألزمه كلمة التقوى ، وطرد الشيطان بما له من وساوس وشكوك ، فقد أصبح موقنا ، واليقين درجات فكلّما ازداد المؤمن عقلا عن ربّه وعلما بآياته سبحانه يزداد يقينا.
[٦] (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ)
الكون يدور كلّه حول الحق ، والقرآن يؤكّد هذه الحقيقة فكلّ آيات الله في الطبيعة تقودنا إليه ولكن إذا لم يؤمن الناس بالحق ..
(فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ)
إنكار الله بعد عرض هذه الآيات ليس إنكارا لله فقط ، بل هو أيضا إنكار للآيات نفسها ، وهل في الكائنات شيء أشدّ ظهورا من تلك الحقيقة التي تشترك في الشهادة عليها والدلالة إليها كلّ الكائنات؟! وإذا أنكرناها فقد أنكرنا كلّ شيء. أو ليس في كلّ شيء آية لله؟