[٢٤] ويبرّر هؤلاء عبادتهم لأهوائهم بقولهم :
(وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ)
لا شيء وراء ظاهرة الحياة والموت ، ولا حتى الله الذي قدّر هما ، وما الدهر سوى الطبيعة ، وهل للطبيعة إرادة وحكمة؟! أفلا ينظرون إلى السموات والأرض وما فيهما من عظمة التدبير ودقّة التقدير؟!
أفلا يهديهم العقل إلى أنّ لكلّ تدبير مدبّر ، ولكل تقدير مقدّر؟! ويبدو أنّ مرادهم من الموت فناء جيل ، والحياة نشأة جيل من بعدهم ، فالزمان في زعمهم يميت الأوّلين ، ويحيى من بعدهم الآخرين ، وهكذا في دورة متتابعة لا يعرف مبتداها ولا منتهاها ، وتبقى الأسئلة حائرة : من أين جئت ، إلى أين أسير؟ وينادي ليس ادري!
ويبدو أنّ هذه النظرية يفرزها القلب المختوم عليه بسبب عبادة الهوى ، وهي تحلّل الإنسان من كلّ قيد ، وتطلق عنانه في اتباع الشهوات حتى النفس الأخير ، وهي نظرية قائمة على أساس الفراغ العقيدي.
(وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)
أي يتخيّلون أن لا بعث ولا حساب ، أفينبغي أن نرسي بنيان أفكارنا وأساس مجمل ثقافتنا على قاعدة الظن بعيدا عن العلم؟! ولكن ماذا يملك من عبد هواه ، وأضله الله ، سوى الظنون؟! إنّ العلم أعظم نعمة ، وهو من عند الله ، فلو سلبه من أحد ، أترى يعرف شيئا؟ هل يقدر الحائط ـ مثلا ـ أن يعي ما في الحقل ، أم المكيال ما في البيدر؟! ولماذا؟ مستحيل أن يعرفا. أو ليس لأنّ الله لم يرزقهما العلم؟ كذلك محال أن يعرف من عبد هواه بداية الخلق ونهايته ، لأنّه قد سلب منه