والروم ، اشتهروا في العالم وخلدوا آثار نبوغهم ، ولطالما أخرجت مدرسة نصيبين والرّها ومدرسة الفقه في بيروت ومدرسة أنطاكية خطباء هزوا النفوس وعلموها بخطبهم وأشعارهم ومجادلاتهم ، وقد كثر سواد هذه الفئة في عهد الدول العربية الإسلامية أيضا. والشعر والخطابة مما امتازت به العرب في الجاهلية والإسلام وغالت في الولوع بهما ، ولقد أثر القرآن في هداية العرب ببلاغته وفصاحته ، تأثيره بحكمه وهدايته. ولطالما كان شعراء العرب يصفون الشام ويتغزلون بها منذ أول يوم عرفوها ، حتى إذا كان الإسلام وتبسطوا في أرجائها ، أوحت إلى قرائحهم من أساليب الشعر ما يتألف من مجموعه أعظم ديوان بل خزانة عظيمة في الأدب تدل على فضل قرائح ، ونبوغ في فنون القول ، وتوسع في مجال الخيال ، وما هم إلا مبدعون وضعوا ما وضعوه من بنات أفكارهم على غير مثال.
لا جرم أن الشام كانت أول الأقطار التي أخذت الفصاحة عن العرب في جزيرتهم ، وبقيت فيها على اختلاف العصور وتعاقب الدول محفوظة في الجملة ، فما انقطع منها من ينظمون ويجدون حواليهم من يطرب لنغماتهم ويصفق لنبراتهم وإن لم يعرفوا صحاحها من زيوفها. كان الشعر مبدأ دخول العرب في الحضارة ، والأدب مقدمة النهوض في العلوم ، ولذلك رأيناهم لم يحرصوا على شيء حرصهم على روايته ودرايته. وأكثر ما يجيد الشعراء في أرض صح إقليمها ، واعتدل نسيمها ، وطابت تربتها وأديمها ، وصفت أمواهها ، وساغ نميرها ، وكثرت ظلالها بأشجارها ، وغردت أطيارها في أسحارها ، وفغم أريج نوارها وأزهارها ، وهذا على حصة موفورة في القطر الذي يتاخم جزيرة العرب من شمالها. وقد أنعم عليه الخالق بضروب البدائع والروائع ، فكان شعراء عرب الشام وما يقاربها أشعر من شعراء عرب العراق وما يجاورها في الجاهلية والإسلام كما قال الثعالبي. وما زالت بعض قصائد شعراء ذاك الدور مضرب الأمثال في البلاغة ، وما برح عرب المدن يتغنون بشعرهم ويعجبون به ويترنمون ، ويتوفرون على حل ما استعجم عليهم من ألفاظه ومعانيه. قال : والسبب في تبريز القوم قديما وحديثا على من سواهم في الشعر قربهم من خطط العرب ولا سيما أهل الحجاز وبعدهم عن بلاد العجم ، وسلامة ألسنتهم من الفساد العارض لألسنة أهل العراق