بنفسي خلال عشر سنين متتابعة فرأيت أنها لا يبلغ ارتفاعها ٢٥٠ ميليمترا في أكثر هذه السنين ، وكان ارتفاعها دون مائتي ميليمتر في ثلاث سنين. فالغوطة إذن كالواحة كادت تكون صحراء لا تصلح للزرع ، لو لا بردى والأعوج ومشتقاتهما التي قلبتها جنة ناضرة.
رابعا ـ لا يسقط الثلج في إقليم الغور ولا تهبط الحرارة إلى الصفر. ويندر هبوطها إلى الصفر في السواحل. أما في السهول الداخلية فلا تهبط لأوطأ من عشر درجات تحت الصفر في السنين الاعتيادية ويندر هبوطها إلى هذا الحد. لكن لكل قاعدة شواذّ ففي شتاء سنة (١٩٢٤ ـ ١٩٢٥) وكانت سنة قرّ شديد هبطت الحرارة إلى ١٥ درجة تحت الصفر في دمشق و ٢٠ درجة تحت الصفر في سلمية. ودام الصقيع عدة أيام فأتلف الأسباناخ والملفوف والسلق والمقدونس والبيقية والحلبة والفول وغيرها من البقول كما أتلف براعم التين والرمان وأغصان الليمون والبرتقال وبعض ورق الزيتون. وباد كثير من الأزهار والرياحين وأشجار التزيين كالمنثور والكافور والسنط والفلفل الكاذب والخروع والكزورينا وغيرها. أما الحنطة والشعير والمشمش والتفاح والكمثرى والدراق والخوخ والصنوبر والسرو والازدارخت والصفصاف والزيزفون والورد فقد قاومت فلم يمسها الصقيع بأذاه.
وأضر مما ذكر هبوط درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر بضعة أيام في أوائل نيسان من سنة ١٩٢٥ فتلف أكثر من نصف محصول المشمش في الغوطة ، واسودت أفنان الجوز ، وبادت نباتات الخيار والكوسى والبنادورى البكيرة ، فعاد الزراع إلى بذر بذورها ثانية. ولقد ذكرت هذه الأحداث لأن الطاعنين في السن من أرباب الفلاحة لم يرو شبيها لها منذ ثلاثين سنة ونيف.
خامسا ـ ليس لبناء التربة في الشام كبير تأثير في إمكان غرس الشجر أو عدمه في إحدى المناطق ، بل العامل الأقوى هو الإقليم وذلك أن الأمطار تهطل في الشام خلال شهور معلومة ثم يعقب المطر يبوسة تدوم بضعة شهور. وتكون الرياح شديدة ، والحرارة زائدة ، في شهور اليبوسة ، ومهما كان ارتفاع المطر السنوي كبيرا حتى في سواحل الشام فكثير من أشجار الفاكهة لا يعيش بهناء عذيا ، بل لا بد من إسقائه كالبرتقال والليمون والتفاح والكمثرى والمشمش