باقية بقاء الدهر ، فقد «أمر باحضار جماعة من فلاسفة اليونانيين ممن كان ينزل مصر وقد تفصح بالعربية ، وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي» والصنعة صنعة الكيمياء. فترجمت له كتب فيها كما ترجمت له كتب في الطب والنجوم. وممن نقل له اصطفن القديم ، نقل كتب الكيمياء ، وكان خالد بصيرا بالطب أخذه عن يحيى النحوي وأخذ الكيمياء عن مريانس الرومي وأتقن هذين العلمين وألف فيهما وله رسائل وكتب في غير هذه الأغراض ، دالة على معرفته وبراعته ، وله شعر كثير ومقاطيع دالة على حسن تصرفه وسبقه. وكان من الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام وقيل عنه قد علم علم العرب والعجم ، وكان خطيبا شاعرا ، فهو أول من أعطى التراجمة والفلاسفة ، وقرب أهل الحكمة ورؤساء أهل كل صناعة ، وترجم كتب النجوم والطب والكيمياء والحروب والآلات والصناعات. وفي الفهرست : ويقال والله أعلم إنه صح له عمل الصناعة وله في ذلك عدة كتب ورسائل وله شعر كثير رأيت منه نحو خمسمائة ورقة ورأيت من كتبه كتاب الحرارات ، كتاب الصحيفة الكبير ، كتاب الصحيفة الصغير. كتاب وصيته إلى ابنه في الصنعة.
جاء في التاريخ العام : لما جاءت العرب وجدت المدنية اليونانية راسخة في جميع الأقطار التي داهمتها أولا مثل الشام ومصر والعراق فاقتربت من المملكة البيزنطية وبدا لها من وراء مدنيتها النبوغ اليوناني كما تجلى لها من الفرس المدنيات القديمة من الهند والصين على نحو ما وجدت في بلاد كنعان ومصر تذكارات من الأمم القديمة التي لا تزال عليها مسحة الأجيال العريقة في القدم ومصانعها وأعمالها.
ولما بلغت الدولة العربية غاية عزها ، ثم تمزقت وتقسمت أصبح دينها واحدا ولسانها واحدا وقوانينها المعمول بها واحدة ، وذلك من نهر السند إلى أعمدة هركول وتمت الوحدة بين أولئك الشعوب المختلفة ديارهم ، وأخذوا يقتبس بعضهم عن بعض من تبادل التجارة وسياحة الأفراد وتنقل الجيوش والأمم وانتشار المعتقدات والأخلاق والأفكار يتصادمون ويتمازجون ويتحدون ويتداخلون وكل شعب ينقل إلى الآخر عاداته وتاريخه وملكاته الطبيعية.