ما يجمع إلى المتانة الإبداع في الصناعة. قال ابن عربشاه : إن الحريريين في دمشق نسجوا لتيمورلنك قباء بالحرير والذهب ليس له درز فإذا هو شيء عجيب.
ولما نجحت الصنائع الإفرنجية ـ وكانت صناعة الحرائر والطرائف تروج زمنا ثم تنحمق وتكسد ـ واخترع أحد صناع الإنكليز نسيج الشيت (اليمني) كاد يقضى على صناعاتنا هذه ، لو لا رجل دمشقي اسمه عبد المجيد الأصفر من أهل هذه الصناعة ، فاخترع القماش المعروف بالديما فحال دون النساجة والبوار دفعة واحدة. ثم إن رجلا اسمه الروماني من أهل دمشق أيضا ، تفنن في المنسوجات الحريرية تفننا عجيبا ، فلما مات كادت هذه الصناعة تموت معه ، وتغلبت المنسوجات الأوربية على منسوجات حلب وطرابلس وحماة وحمص ودمشق لرخص ثمنها ، وكثرة تفننهم في تلوينها ، وتغيير أشكالها وطرازها ، وإن كان البلى يسرع إليها ، وعلى الرغم مما تقدم لم تنفك هذه الصناعة متماسكة أحوالها ، على ما أصاب القطر من الأزمات الاقتصادية. ويزعمون أن ما يتعلق بها من الصنائع حتى تصلح وتصير أثوابا ، يقرب من سبعين صنعة. تصرف مصنوعاتها في الشام ومصر والجزيرة ، وكانت قبل الحرب العامة تصرف منها كميات وافرة في آسيا الصغرى والروم ايلي فلما وضعت في العهد الأخير الحواجز الجمركية في وجهها في تركيا عادت إلى الكساد.
ومع هذا لا يزال بعض أهل هذه الصناعة يصنعون الديما وأنواع الحرير والحبر والشال البديع والأعبئة الحريرية للنساء ، ما يتفاخر سياح الإفرنج باقتنائه في بيوتهم ، وإلباس أسرهم منه في السهريات وأوقات السمر ، على حين كان الناس هنا ولا سيما في المدن يزهدون فيها على متانتها وجمالها ، لأنهم بلوا بداء التقليد يقبلون على كل ما تأتيهم به أوربا ولو كان فيه بوارهم. وأهل معامل الحرير والقطن اليوم في المجدل من عمل غزة وبيروت وبكفيا وزوق مكايل ودير القمر وبيت شباب والكفير وحمص وحماة وحلب وأنطاكية ودمشق ، تعمل فيها الأعبئة والكوفيات والزنانير والملاءات والشراشف والديما والألاجة والنمارق والأرائك والسجوف والشفوف واللحف والبرانس والطيالسة والميازر والبراقع والأزر والجلابيب والقطائف (المخمل).