والدلو والبرميل وعجلة النقل والركوب ومحفة الجرحى والمرضى ، كنت إذا رأيتها تظنها لجمالها ومتانتها من صنع الغرب. وقد جلب كثير مما يستعمل في هذه الصناعة من حلب ولبنان وبيروت ، ويستعمل فيها الحديد والنحاس والصفيح (التنك) وتوفر الجيش التركي في تلك الأيام على ملء الخراطيش وصنع القذائف والمدمرات واستجادة أحسنها طرازا وأفعلها في وقت الحاجة وإصلاح البنادق والمدافع ما دل على ذكاء ابن هذه الديار إذا علّم التعليم العملي المنظم بنظام المعامل الغربية. ولقد صنع أحد مهرة الصناعة مدة الحرب بندقية من الخشب أخف من الماوزر فنال استحسان أهل هذا الشأن في الدولة.
ويصح أن تلحق صناعة النحاسين والصفارين بالحدادة ، وكانت في القديم ذات شأن ، ولم يبرح في المتاحف والبيوت القديمة في المدن والقرى نموذجات منه صبرت على ممر الأيام بحالها ، وما عمل منذ ستة أو سبعة قرون كثير جدا ، والقديم أقل منه ، وكان ما يصنع منه في دمشق يقال له الظاهري نسبة للملك الظاهر فيما زعموا ولا ندري أي ظاهر هو ، لأنه كان من المنشطين لصناعته فنسب إليه تحببا ، وما فتئت هذه الصناعة رائجة تعمل من النحاس الثريات والمصابيح والفوانيس والتعاليق والجفان والكؤوس والمباخر والقماقم والصحاف والصواني والطسوت والأباريق والصنجات ، مصنوعة من النحاس الأصفر منقوشة في العهد الحديث حروفا لا تقرأ إذ تعاور صناعتها أناس أميون على الأكثر ، وكان يطرز ويرقش في القديم بكل معنى جميل. وفي حلب ودمشق وزحلة وبسكنتا وبتغرين ودومة لبنان مسابك حديد ، يقينون فيها الحديد قينا جيدا ، والنحاس يعمل في كل بلد للآنية وامتهانات البيوت ، وأجلّه ما صنعه صنعو الأيدي في دمشق وحلب. ومن أوسع معامل النحاس الأصفر معمل السادة النعسان في دمشق فقد تفنن بصنع الزهريات والكؤوس والثريات وغيرها والسياح يتنافسون في اقتناء مصنوعاته وكثير من أرباب الثراء في مصر وأميركا وأوربا يزينون ردهاتهم بقطع منه ولا يقل العاملون والعاملات فيه عن مائتي نفس.
وصناعة النحاس المنقوش من الصناعات القديمة في الشام ، وكل ما كانت تستعمله قديما في بيوتها وحوانيتها هو من صنعها ، من صحاف كبيرة وصغيرة