وقد أقام لهم البنادقة فيها منذ عهد المماليك قناصل من الدرجة الأولى وكان البنادقة يتاجرون من مليونين إلى ثلاثة ملايين دوكا مع حلب كل سنة ، وقد احتفظت الشهباء بمركزها التجاري المهم فكانت نقطة الاتصال بين الخليج الفارسي والبحر المتوسط. ثم انتشر فيها الفرنسيون ولكنهم اضطروا أن يغادروها للاضطرابات السياسية إلى أنطاكية ، كما اضطر تجار الإفرنج في دمشق إلى مبارحتها إلى صيدا وبيروت وعكا. وفي سنة (١٥٠٧ م) عقدت الدولة العثمانية مع فرنسا معاهدة تجارية فكانت سفن فرنسا تأتي إلى مواني الشام ولا سيما طرابلس وصيدا وتأخذ منها حاصلات وتجلب إليها بضائع.
وكثر عديد الإفرنج في حلب أكثر من دمشق ، لأنها أقرب منفذ لاتصال الشرق بالغرب ، فكان تجارهم يأتونها من ثغر السويدية يتجرون مع أهلها ويقايضون محصولاتهم بمحصولاتها ومحصولات الشرق ، ولا سيما الهند وفارس والعراق ، وكانت فرنسا والبندقية أول الممالك الأوربية التي اتجرت مع حلب وعقدت معها الصلات التجارية وأقامت المكاتب ، ثم جاء الإنكليز في القرن السادس عشر وتلاهم الهولانديون ، وقد تناسل بعض الإفرنج في حلب وارتاشوا وتأثلوا وعدوا كأنهم من أهلها ، وكان البنادقة يتجرون بالبهار يأخذونه من حلب بمقادير وافرة كما كانوا يجلبون منها الشب والقطن.
وكان في حلب وكلاء لتجار الهند وبلاد الكرج والفرس والأرمن وغيرهم ، وللبنادقة بين أمم البحر المتوسط موقع ممتاز ، ولئن أفقد حلب فتح الطريق البحري إلى الهند الشرقية بعض مكانتها التجارية ، فقد كانت في القرنين السابع عشر والثامن عشر زاهرة بتجارتها. وكان في حلب سنة (١٧٧٥) ثمانون وكالة تجارية لبيوت تجارية أوربية ، وأكثر اعتماد الأوربيين على سماسرة من اليهود يتجرون بالصادر والوارد ، وكثر تجار الإنكليز فيها منذ عهد ملكهم جاك الأول (١٦١٣ ـ ١٦٢٥).
ونما عدد تجار الأوربيين في عكا وصيدا وبيروت ولا سيما في هذا الثغر ، فأصبح على ما روى لامنس في القرن الخامس عشر ولا سيما بعد عهد تيمورلنك ملتقى شعوب البحر المتوسط. وكنت تشاهد في بيروت مزيجا يصعب وصفه