جميع أهل الأديان من الشاميين ، ولم يلبث نطاق الهجرة أن توسع ، وما نراه في اللبنانين الشرقي والغربي ، وما إليهما من الجبال من الدور والقصور عمر أكثره بدراهم أميركا ، ويقدّر اليوم المهاجرون إلى أميركا الشمالية والجنوبية واوستراليا وغيرها من البلاد التي ترحب بالأيدي العاملة بزهاء سبعمائة ألف مهاجر شامي.
وقد ساعد على دوام الهجرة اختلال المجاري الاقتصادية في السلطنة العثمانية ، ثم استرسال الحكومات العثمانية ثم المنتدبة في إهمال الحركة الاقتصادية وإلقاء الحبل على الغارب. وقد كان عمال العثمانيين يودون لو هاجر جميع المسيحيين من الشام ، لينجوا من دعوى أوربا في حماية الأقلية ولكن بهجرتهم ضعفت التجارة ، وكيف تنجح التجارة في أمة والحكام هم التجار ، وقد رأينا من ذلك أمثلة خلال الحرب العامة ، فكان عمال الأتراك لا فرق بين الكبير والصغير منهم يحتكرون معظم الحاجيات دع الكماليات ، فكنت تراهم كلهم تجارا يؤخرون الأرزاق عن الجند في ساحة الحرب ويقطعون مواد الحياة عن الرعية ، حتى يشحنوا بضائعهم ويغنموا فرصة ارتفاع أسعارها ، فاغتنى بذلك كثير من عمالهم ثم افتقروا بعد حين.
على أن بعض البلدان استفادت كثيرا من الحرب العامة ومعظم المدن التي استفادت حلب ودمشق وبيروت والقدس. قال الغزي : إن التجارة في حلب آخذة بالتقدم منذ ثلاثين سنة ولذا كثر عدد التجار زيادة عظيمة بحيث بلغ ثلاثة أضعاف ما كانوا عليه قبل هذه المدة ، وكان معظم هذه الزيادة في أيام الحرب العالمية فإن أرباح التجارة التي كانت في غضونها جرّت العدد الكبير من ذوي الصنائع اليدوية من صنائعهم إلى الاسترزاق بالتجارة فنجحوا وربحوا أرباحا طائلة ، ونشأ من بينهم أصحاب ثروة تستحق الذكر. إلى أن قال : وفي سنة (١٣٤١) بدأ دولاب التجارة يدور ببطء فأخذت الثروة العامة في حلب بالانحطاط لإغلاق الأناضول أبوابه في وجه تجارة البضائع المعدودة من الكماليات وغلاء أجور النقل في السكة الحديدية وتلاعب الصيارفة والمحتكرين بالأوراق النقدية والنقود الذهبية إلى غير ذلك من الأسباب.