وبلاده ، وكم رأينا رجالا ونساء درسوا في تلك المدارس فجاؤوا لا عرب ولا إفرنج ، يتكلمون في بيوتهم بغير لغتهم ، ولا يشعرون شعور الشامي ، بل يبغضون تقاليدهم وتاريخهم ، ولذلك صح أن يقال إن تلك المدارس لم تنفع النفع المطلوب ، بل نفعت الشركة التي قامت بتأسيسها بأن هيأت لها في هذه الديار أنصارا.
وبينا نرى بعض المسلمين يكتبون التركية كأهلها وشعورهم تركي صرف ولم ينفعوا الشام بشيء كثير من علمهم ، نشاهد كثيرين ممن درسوا في مدارس الرهبان والقسيسين والحاخامين والمدارس العلمانية الفرنسية يكتبون الفرنسية أو الإنكليزية أو الألمانية أو الروسية أو اليونانية أحسن من كتابتهم لغتهم بدرجات وكل هؤلاء لم يستحق أحدهم اسم العالم والأديب ، بل إن معظمهم قد اسودت الشام الجميلة في عينه ، وهجرها إلى أرض أخرى. إن الشامي المتأدب في الجملة بآداب قومه يحب لغته ويغار عليها ، ولذلك أسس عدة صحف ومجلات راقية في مصر والمهجر من أميركا الشمالية والجنوبية وحبب المطالعة بالعربية إلى من نزل عليهم ، أو إلى من هاجروا من الشاميين بحيث لا تقل صحفنا ومجلاتنا العربية خارج الديار الشامية عن خمسين جريدة ومجلة حية ، وما ندري إن كانت هذه الهمة تظل على حالتها بعد انقراض هذا الجيل ، فإن الجيل الجديد من الشاميين في أميركا الشمالية والجنوبية قلما يعرف العربية بل هو يتكلم بالإنكليزية أو الاسبانية أو البرتغالية. وأعظم نقص في المدارس الأميرية والطائفية والأجنبية أن الأولى تصوغ موظفين والثانية والثالثة تهيء المتخرجين على معلميها إلى الهجرة ، وتباعد بين أبناء الوطن الواحد وتبث مبادىء اجتماعية لا تنطبق على حالتنا.
نعم تمت بالشاميين كما قلنا مرة (المقتبس المجلد الخامس) دواعي التفريق في الوطنية وضعفت ملكتها فيهم بقوة المدارس غير الوطنية في ديارهم. فإن كانت هذه المدارس قد نفعت الشام بما أدخلته إليها من النور ، فقد أضرتها بانحلال عقدة الوطنية ، فمدارس الأميركان والروس واليونان والفرنسيين والإنكليز قد أصلحت وأفسدت. أصلحت بتلقين من تخرجوا فيها شيئا من معارف الغرب ، وأضعفت في نفوسهم حب الوطن بتحبيبها إليهم أوطانا غير أوطانهم ،