محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، قال :
خاصمت الحرورية عليا ستة أشهر ، فقالوا : شككت في أمر الله الذي ولّاك وحكّمت عدوك ، ووهنت في الجهاد ، وتأوّلوا على عليّ وأصحابه (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ)(١) ، وتأوّلوا قول الله : (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) والذين تدعون (مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ)(٢) ، فطالت خصومتهم وخصومة عليّ بالكوفة ، ثم أصبحوا يوما وقد زالوا براياتهم ، وهم خمسة آلاف عليهم ابن الكوّا ، فقطع بقتالهم ، وأرسل إليهم عليّ عبد الله بن عبّاس ، وصعصعة بن صوحان من عبد القيس فناشدوهم ودعوهم إلى الجماعة فأبوا عليهم ، فلما رأى ذلك عليّ أرسل إليهم : إنّا ندعوكم إلى مدة نتدارس فيها كتاب الله لعلنا نصطلح ، فمادّوه بضع عشرة ليلة ، فقال عليّ : ابعثوا منكم اثني عشر نقيبا ، ونبعث منا مثلهم ، ثم ابرزوا بنا إلى مكان سمّاه تجتمع (٣) الناس فيه ، ويقوم فيه خطباؤنا بحججنا ، ففعلوا ورجعوا إلى الناس. فقام عليّ فتشهد ثم قال : أما بعد ، فإني لم أكن أحرّضكم على هذه القضية وعلى التحكيم ، ولكنكم وهنتم في القتال وتفرّقتم عليّ ، وحاكمتموني بالقرآن ، فخشيت إن أبيت الذي عرض علينا القوم من كتاب الله أن يتأوّلوا (٤) كتاب الله عليّ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ ، وَهُمْ مُعْرِضُونَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)(٥) ، وخشيت أن تتأوّلوا عليّ قول الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ)(٦) ، وخشيت أن يتأوّلوا عليّ قول الله في الرجل وامرأته (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما)(٧) ، فيقولوا لي : إن أبيت أن أحكم فيها ، قد
__________________
(١) سورة الأنعام ، الآية : ٥٧ وبالأصل : يقضي.
(٢) سورة المؤمن ، الآية : ٢ بالأصل يدعون ، والمثبت عن م والتنزيل العزيز.
(٣) عن م وبالأصل : يجتمع.
(٤) عن م وبالأصل «تأولوا».
(٥) سورة آل عمران ، الآية : ٢٤ و ٢٥.
(٦) سورة المائدة ، الآية : ٩٨.
(٧) سورة النساء ، الآية : ٣٤.