قال يحيى بن مكي بن رجاء العدل : لو كان ابن زبر عادلا ما عدلت به قاضي (١)(٢).
قال : وحدّثني معبد الصّيداوي قال : كنت في خدمة القاضي أبي محمّد عبد الله بن زبر ، وخرجت معه إلى بغداد فما قدر مفلح المقتدري على ولايته مع علي بن عيسى الوزير ، فطال مقامه ، فقال لي يوما : يا معبد لي عليك حق ، وأريد أن ترفع لي رقعة إلى مجلس المظالم ، وهذه عشرون دينارا ، فأخذت منه الدنانير ، وعملت على أن ألقي الرقعة في دجلة وأقول قد أوصلتها ، فسهر ليلته حتى حرّر الرقعة ، ثم أقامني في آخر الليل وألبسني ثوبا مشمّرا في زي الخراسانية ومنديل خراساني ، ودفع إليّ دفاتر ومحبرة ونقط الحبر على ثيابي ، وسلّم إليّ رقعة ، وركبت الزورق ومررت إلى الموضع الذي فيه ترفع المظالم فرأيت خادما وامرأة بنقاب كحلي ، وتأملت وإذا الرقاع لا تقرأ ، وكنت قبل وصولي قد فتحت الرقعة أقرأها لئلا يكون فيها أمر مهلك ، فإذا فيها :
بسم الله الرّحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على خير أمين دعا إلى خير دين ، محمّد سيد المرسلين ، وعلى أهل بيته الطاهرين. على رغم أنف الراغمين ، حضر مدينة السلام رجل من أهل خراسان يريد الحج ، فاشتغل بكتابة الحديث إلى أن يأتي وقت الحج ، فرأى في منامه في ثلاث ليال متواليات العبّاس بن عبد المطّلب في وسط مدينة السلام ، وهو يبني دارا ، فكلّما فرغ من موضع منها تقدّم رجل فهدمه ، فقال صاحب هذه الرؤيا : يا عمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم من هذا الذي قد بليت به يهدم كلّما تبني؟ فقال : هذا علي بن عيسى كلّما بنيت لولدي بناء هدمه.
قال : فلما قرأتها قلت في نفسي : إن صرف علي بن عيسى فبهذه الرؤيا ، ثم تأملت من يأخذ الرقاع من المتظلمين ، وإذا هو يتناول الرقعة ويرمي خلفه الرقعة ، وقلت لصاحب المركب : ادفع ، فدفع وصرت إلى القاضي ابن زبر وهو قائم خلف باب الدار ينتظر ما يكون ، فلما رآني سالما حمد الله عزوجل ودخلت فقال لي : أي شيء كان؟ فقلت : رأيت خادما وامرأة عليها نقاب كحلي ، فقال : هذه أم موسى ، فتناول الخادم الرقعة فقال لي : قرأها؟ قلت : لا ، قال : فقرأتها أنت؟ فحلفت له أني ما قرأتها فدعا
__________________
(١) الخبر في تاريخ الإسلام (حوادث سنة ٣٢١ ـ ٣٣٠) ص ٢٦٣ وسير الأعلام ١٥ / ٣١٦.
(٢) كذا بالأصل وم والمطبوعة ، والخبر نقله الذهبي في سير الأعلام ١٥ / ٣١٦ وفيه : قاضيا ، وهو الصواب.