لما جاء ـ نعي (١) أبي عمر بن واقد (٢) ، احتبست في البيت ثلاثة أيام ثم غدوت ، فإذا أنا بعبد الله بن جعفر على بغلته عند سوق الحنطة ، فلما رآني حبس بغلته ، وقال : ما حبسك عني؟ قد سألت جحدرا ـ يعني غلامه ـ أجاء فرددته أم لم تعلمني مكانه؟ فقال : ما جاء ، فما حبسك عني؟ قلت : جاء نعي أبي عمر ، فلم يكلّمني كلمة حتى ردّ بلغته راجعا ، ثم جاءني من بيته ماشيا يعزيني ، فقلت : حفظك الله ما أحبّ أن تتعنى وتجيء ماشيا ، قال : إن أحب ذلك إلي أن أقضي فيه الحقّ أشقه عليّ؟ ألم تسمع حديث أم بكر بنت المسور؟ قلت : لا ، قال : حدّثتني أم بكر بنت المسور أن المسور اعتلّ ، فجاءه ابن عبّاس نصف النهار يعوده ، فقال له المسور : يا أبا عبّاس هلّا ساعة غير هذه ، قال : فقال ابن عبّاس : إنّ أحبّ الساعات إليّ ، أن أودي فيها الحقّ إليك أشقّها عليّ.
قال : وأنا محمد بن عمر ، قال :
كان عبد الله بن جعفر من رجال أهل المدينة ، وكان عالما بالمغازي والفتوى ، ولم يزل يؤمل فيه أن يلي القضاء بالمدينة حتى مات ولم يله ، وكان قصيرا دميما (٣) قبيحا.
قال محمد بن عمر : قال ابن أبي الزّناد : ما عزل قاض عن المدينة أو مات إلّا قيل يولّى عبد الله بن جعفر لكماله ومروءته وعلمه ، فمات قبل أن يليه ، قال عبد الرّحمن : وما أحسبه قعّد به عن ذلك إلّا خروجه مع محمّد بن عبد الله بن حسن.
قال محمّد بن عمر : ذكرته يوما لعبد الله بن محمد بن عمران الطلحي فقال : ذكرت المروءة كلها (٤).
قال محمّد بن عمر : وقال لي عبد الله : دعي معي مرة عبد الله بن محمد بن عمران القاضي وهو غلام ، فدخلني من ذلك ما يدخل الناس ، قلت : أدعى مع هذا الغلام ، ثم قلت : والله لقد دعيت مع أبيه ، وما بلغت سنّه ، فسلّا ذلك عني ، قال : وكان عبد الله بن جعفر من ثقات محمد بن عبد الله بن حسن ، وكان يعلم علمه ، وإذا دخل
__________________
(١) بالأصل وم : «يعني» خطأ والصواب ما أثبت باعتبار ما يأتي ، وانظر المطبوعة.
(٢) قوله : «لما جاء نعي أبي عمر» مكرّر في م. (وفيها : يعني).
(٣) كذا بالأصل وم وتهذيب الكمال ١٠ / ٦٢ دميما.
(٤) الأخبار الثلاثة السابقة عن محمد بن عمر في تهذيب الكمال ١٠ / ٦٢.