واظبت على مهمتها بنجاح. وكانت النتيجة مرضية كل الرضا لا من حيث إضافة المعلومات إلى ما نملكه من مخزون المعلومات في الجغرافية فحسب ، بل أيضا في تزويد الحكومة بتفاصيل دقيقة عن العديد من القبائل وأحوالها ومصادر ثروتها مما دفعها في خاتمة المطاف إلى دراسة معظم سواحل الخليج العربي على نحو مماثل. ومع هذا ، فإن حصر أنفسنا في هذا الجزء ، فإن أفضل أسلوب لتفريق القراصنة إنما يمكن في ترك أماكن سكناهم مكشوفة لنا ، إذ طالما ظلت هذه مجهولة عندنا ، فإن إحساسا بالأمان الحقيقي أو الزائف ، سوف يدفعهم إلى ممارسة أفعالهم السابقة. إلا أن واقعة مسح السفن الإنكليزية لشواطئهم تكفي وحدها لإعطائهم فكرة عن أننا ينبغي أن نحصل على معلومات تامة عنها. لهذا السبب ، فإن النتيجة أعطت مسوغا للتوقعات ، إذ ما أن أكملت المسوحات وأسس نظام المراقبة الدقيق ، حتى تحولت أساليبهم ومصادرهم ، كإجراء ضروري ، من حياة القراصنة إلى التجارة (١). لا تزال تحدث بعض النزاعات القليلة الشأن من حين لآخر بين قوارب مختلف القبائل المتنافسة ، لكن معظم سفنهم شرعت الآن بالتجارة في الخليج العربي وبسلام من ميناء إلى آخر ومن هناك إلى الهند أو إلى البحر الأحمر. وربما أمكن طرح السؤال بأن هذا الجزء من جزيرة العرب ـ ومنذ زمن قديم عند ما بدأت التجارة والملاحة ، على أيدي الفينيقيين ، بمحاولاتها الأولى في البحار الهندية ـ هل قدّم حماية مماثلة لرسو التجار عند إبحارهم على امتداد سواحلها (٢)؟
على أي حال ، ثمة سبب يدفع إلى الاعتقاد بأن مثل هذا الأمن لم يعد قائما طالما أننا نواصل سياستنا الراهنة إزاء الزعماء العرب. فلو سحبنا أسطولنا البحري من الخليج مدة موسم واحد فقط ، فإنهم سرعان ما يظهرون ثانية. فقد أعادوا بناء جميع مدنهم وربما كانت أكثر كثافة عن ذي قبل. وعند ما انتهت سنة (١٨٣٥) مدة الاتفاقية التي وقعناها سنة (١٨١٩) والتي تعهدوا بموجبها الامتناع عن القتال بحرا مع بعضهم البعض ، خاطبوا الحكومة الهندية بضرورة أن يلجؤوا إلى تسوية خلافاتهم بالطرق السابقة ، وهي خلافات
__________________
(*) هكذا يحاول المؤلف اقناع القارئ بأن مسوحات سفينة صنعت معجزة هي في الحقيقة من خيالات أوهامه.
(**) طرح مثل هذا السؤال ينبئ عن جهل المؤلف بتاريخ منطقة الخليج العربي وجنوب الجزيرة العربية ودورها الكبير في التجارة الدولية البحرية في العصور القديمة ويكفي دليلا على ذلك ما ذكره الكتّاب الإغريق والرومان عن بلاد العربية السعيدة.