حرية تصرفاتهن ، مقارنة بتلك الموجودة في المدن العربية ، لا تقدم صورة مزيفة عن أخلاقهن.
زوّدنا بالإبل وبعد مسيرة ساعتين في أراض لا تثير الاهتمام البتة وصلنا قرية (روى) وكانت تحتوي على بعض البساتين وآبار الماء. مررنا بعدة قوافل للبدو كانوا ذاهبين إلى (مسقط) أو عائدين منها. كانت ملامحهم أكثر وسامة من ملامح أي عربي سبق أن قابلته ، وعلى الرغم من أن قاماتهم كانت قصيرة إلا أنها متناسقة. أما شعرهم الذي كان طويلا يصل الخصر فكان يضفي عليهم مظهرا مؤثرا جدا وشجاعا وخاصة عند جلوسهم مع سيوفهم ودروعهم فوق إبلهم. كانت عيونهم سود ، تفيض بالحيوية ومعبرة ، أما أنوفهم فدقيقة الشكل مثل أفواههم ، بينما كانت أسنانهم البيض تختلف اختلافا شديدا عن أسنان عرب المدن. يظهر عليهم أنهم جنس من البشر يتصف بالمرح والفكاهة والحديث الطلق. هكذا بدوا لي عند ما كنت راكبا وإياهم وهم يتحدثون عن بلادهم وسكانها. غير أنني وجت نفسي الآن وفيما بعد أواجه صعوبة في التفاهم بلا مترجم عند ما أتحدث مع بدو (عمان). كانت اللهجة المحلية التي أفادتني في أثناء حديثي مع القبائل على امتداد سواحل البحر الأحمر مفهومة. إلا أنها ليست كذلك في هذا المكان. ومع هذا ، فقد اقتنعت بأن مثل هذا الأمر لا يحدث إلا للمرء الذي ليست لديه سوى معرفة سطحية باللغة لأن المرء الضليع باللغة لن يجد إلا صعوبة قليلة في التعبير عن نفسه في أي جزء من البلاد.
بعد غروب الشمس واصلنا سيرنا وبين الحين والحين كنا نصادف بعض البدو الذين تنحوا إلى جانب الطريق وجلسوا من حول إبلهم بعد أن أضرموا النار. ويبدو أنه كان مألوفا في مثل هذه المصادفات إلّا يلقي أحد بالتحية على الطرف الآخر وهو أمر مخالف تماما لما يحدث في أثناء النهار حيث يتبادل الطرفان بضع جمل في أحاديثهم. وقبل ساعة من منتصف الليل ، تناهى إلى أسماعنا أصوات نباح كلاب الرعاة مما يدل على أننا نوشك الوصول إلى إحدى القرى التي دخلناها بعد ذلك ببضع دقائق بعد أن اجتزنا العديد من الأزقة التي تحف بها الأشجار من كلا الجانبين وتتدلى فوق الطريق. ثم دخلنا مبنى عظيما شيد من أجل الرحالة. ولما كان الليل باردا ، فقد أشعل أدلائي النار وأعدوا طعاما من الرز والسمك التهمناه التهاما. لم أكن طيلة رحلاتي العديدة كثير الوساوس إزاء المكان الذي سأرتاح فيه