عنه ثقلا ، وبرّ الغلام ووصله وكساه كسوة يصلح أن يدخل بها على أمير المؤمنين ، ثم إن أبا جعفر قال للغلام يوما : ما اسمك؟ قال : جعفر ، قال : ابن من؟ فسكت متحيرا ، قال : ابن من ويحك (١)؟ قال : ابن عبد الله ، قال : وأين أبوك؟ قال : لم أره ولم أعرفه ، ولكن أمي أخبرتني أن أبي شريف ، وأن عندها رقعة بخطه فيها نسبه (٢) : عبد الله بن محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب.
فساعة ذكر الرقعة تغيّر وجه المنصور ، فقال : وأين أمّك؟ قال : بالموصل ، قال : وأين تنزلون؟ قال : في موضع كذا ، قال : تعرف فلانا؟ قال : نعم ، هو إمام مسجد محلتنا ، قال : أفتعرف فلانا؟ قال : نعم ، خياط (٣) في مسجدنا ، قال : أفتعرف فلانا؟ قال : نعم بقال في سكتنا ، فلما رأى الغلام أبا جعفر ينزع (٤) بأسماء قوم يعرفهم أدركته هيبة له وجزع وتدمّع ، فأدركت أبا جعفر الرأفة (٥) عليه فلم يتمالك أن قال : فلانة بنت فلان من هي منك؟ قال : أمي ، قال : ففلانة؟ قال : خالتي ، قال : ففلان؟ قال : خالي ، فضمّه إليه وبكى ، وقال : يا غلام لا يعلمنّ أبو أيوب (٦) ولا أحد من خلق الله ما دار بيني وبينك ، انظر انظر احذر احذر.
فنهض الغلام ، فخرج. فقال له أبو أيوب : لقد احتبست عند أمير المؤمنين ، قال : كتبت له كتبا كثيرة أملّها علي ، قال : فأين هي؟ قال : جعلها نسخا يتردد فيها حتى يحكمها ثم يخرج إلى الديوان.
ثم إنّ أبا جعفر جعل يقول في بعض الأيام لأبي أيوب : هذا الغلام الذي يكتب بين يدي كيّس فاستوص (٧) به قال : فاتهم أبو أيوب الغلام أن يلقي إلى أبي جعفر الشيء بعد الشيء من خبره. ثم يلبث أن سأله عنه مرة بعد مرة فقذف في قلب أبي أيوب بغض الغلام ، وأنه يقوم مقامه إن قدّمه (٨) أبو جعفر ، وقذف في قلبه أن يسعى عليه ، وأنه يخرج بأخباره. فجعل إذا خرج الخادم يطلب كاتبا بعث معه غيره ، وأبو جعفر يزداد ولها إلى الغلام ويجن به جنونا
__________________
(١) غير واضحة بالأصل ، والمثبت عن الجليس الصالح.
(٢) الأصل : نسبته ، والمثبت عن الجليس الصالح.
(٣) كذا بالأصل ، وفي المطبوعة : حناط «وقوله : قال : نعم خياط في مسجدنا» ليس في الجليس الصالح.
(٤) أي يجيء بها ويعرفها.
(٥) الجليس الصالح : الرقة.
(٦) الأصل : «لا تعلمن أبا أيوب» والمثبت عن الجليس الصالح.
(٧) بالأصل : فاستوصي.
(٨) الجليس الصالح : «فقده» وفي المطبوعة : قرّبه.