منه ومن خبره ، إلى أن وصل (١) له : قد كان أبو جعفر وصله بمال ووهب له شيئا فقال في نفسه : هذا الذي ظننت ، وقد ربصه (٢) لمكاني ، وينبغي أن يكون استأذنه في أن يخرج إلى أهله ، فيلم بهم ثم يرجع إليه فيقلده مكاني ، فقال لرجل من أصحابه : اخرج إلى طريق الموصل ثم أعط خبر الغلام منزلا منزلا حتى تأتي الموصل قرية قرية كذا (٣) وكذا فإذا عرفت موضعه فاقتله وجئني بما معه.
فشخص وتهيّأ [ثم](٤) إن الغلام لما خرج عن بغداد رأى أنه قد أمن فقصر في مسيره ، فكان يقيم في الموضع يستطيبه اليوم واليومين والأكثر والأقل ، ولحقه رسول أبي أيوب وعرفه ، فباتا بقرية فقام إليه الرسول فخنقه وطرحه في بئر ، وأخذ [خرجه](٥) وخرائط معه وركب دابة له (٦) ، وإذا كتاب المنصور بخطه إلى أمّه ، فوجم أبو أيوب وندم وعلم أنه قد عجل وأخطأ ، وأن الخبر لم يكن كما ظن وعزم على الحلف والمكابرة إن عثر على شيء من أمره ، وأبطأ خبر الغلام ، واستبطأه في الوقت الذي ضرب له ، فدعا خادما من ثقاته ، ورجلا من خاصيته (٧) [فقال لهما](٨) استقرئا المنازل إلى الموصل منزلا منزلا وقرية قرية ، وأعطيا صفة الغلام حتى يدخل الموصل ، ثم اقصدا موضع كذا من الموصل واسألا عن فلانة ووصف لهما كل ما أراد ، ففعلا فلما انتهيا إلى الموضع الذي أصيب فيه الغلام أعلما خبره وذكروا الوقت الذي أصيب فيه ، فإذا التاريخ بعينه ، ثم مضيا إلى الموصل فسألا عن أمّه فوجداها أشد خلق الله ولها على ابنها وحاجة إلى علم خبره ، فأطلعاها طلع حاله ، وأمراها أن تستر أمرها ، ثم رجعا إلى أبي جعفر بجملة خبره ، فكادت أمّه أن تقتل نفسها ولم ترد الدنيا بعده ، فكان المنصور يذكره فيكاد ذكره يصدع قلبه ، وأجمع أبو جعفر على الإيقاع بأبي أيوب عند ذلك ، واستصفى أمواله وأموال أهل بيته ، ثم قتلهم جميعا وأباد خضراءهم (٩) وكان إذا ذكر أبا أيوب
__________________
(١) الجليس الصالح والمطبوعة : قيل له.
(٢) أي أنه ينتظر ما يحدث له حتى يضعه مكانه ، يعني مكان أبي أيوب.
(٣) كذا بالأصل : «كذا وكذا» وفي الجليس الصالح : «برا وبحرا».
(٤) الزيادة عن الجليس الصالح.
(٥) الزيادة عن الجليس الصالح.
(٦) بعدها في الجليس الصالح : ورجع إلى أبي أيوب وسلّم ذلك إليه وشرح الخبر له ، ففتش متاعه أبو أيوب فإذا المال والعقد فعرفه ....
(٧) الجليس الصالح : خاصته.
(٨) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن الجليس الصالح.
(٩) في الجليس الصالح : «عصراءهم» وخضراؤهم أي سوادهم ومعظمهم. وقال الأصمعي يقال : «أباد الله غضراءهم». وعصراؤهم : أي كل من التجئوا إليهم ولا ذوا بهم.