وكان كلثوم بن عياض يقول في خطبته الآخرة حين يريد أن يقوم : هذا بلاغ للناس ولينذروا به إلي ، وليذكر أولو الألباب ، وقال : إنّ في هذا لبلاغا لقوم عابدين ، وقال لنبيّه عليهالسلام : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)(١) وقال : لا يأتي على صاحب النار حال إلّا وهو يستكثر فيها مزيدا من العذاب على أن لا يقضي عليهم فيموتوا ، قال الله تعالى لأهل النار حين بلغهم جهد العذاب : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً)(٢) وكان يقول تفكر امرئ لما خلق الفراغ أم لشغل الشقاء؟ أم لسعادة الجنّة أم لنار؟ ثم ليتذكر فجأة الموت وشدته وانقطاع [العمل](٣) عنده وليتذكر من عهده به حديث من أهل قرابته ، وأهل ودّه وأهل لطفه كانوا ... (٤) معا لا يدرون أيهم أقرب هذا السالك سبيل الموت لعله أن يكون كان أحدثهم سنّا وأظهرهم صحة وأطولهم أملا ، أمسى وأصبح لا يسمع ولا يستطيع أن يزيد في حسنة ولا يستعتب من سيئة هذا الباقي بعده يعلم أنه سالك سبيل صاحبه من الموت ، ما هو أشد من الموت مما خوف الله من يوم القيامة من شدته وطوله وعبوسه وقمطراره واستطارة شرر ناره قال الله عزوجل : (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) ، يوم (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ)(٥) يوم المجادلة والعرض ، (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(٦) هذا الذي يجادل عن نفسه ، إن قال صادقا حين يسأل ، فإن الله يقول : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ)(٧) وقال : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ)(٨) ، وقال : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ)(٩) قال صادقا كنت أقيم الصلاة وآتي الزكاة وأصوم رمضان وأحج البيت إن وجدت إليه سبيلا ، وأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأحل الحلال واحرم الحرام لقى كتابه فأخذه بيمينه فقال لمن يخاطبه من أمر الله : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ ، إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ)(١٠) ، قال الله تعالى : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ، فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ ، قُطُوفُها دانِيَةٌ)(١١) ، وأما الذي اتبع هواه ، وكان أمره فرطا فلقي كتابه
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ١٠٧.
(٢) سورة النبأ ، الآية : ٣٠.
(٣) زيادة عن م.
(٤) كلمة غير واضحة في الأصل وم.
(٥) سورة الحج ، الآية : ٢.
(٦) سورة النحل ، الآية : ١١١.
(٧) سورة الصافات ، الآية : ٢٤.
(٨) سورة الأنبياء ، الآية : ٢٣.
(٩) سورة الحجر ، الآية : ٩٣.
(١٠) سورة الحاقة ، الآيتان ١٩ ـ ٢٠.
(١١) سورة الحاقة ، الآيات ٢١ إلى ٢٣.