الشعر ما ليس لجميل ، وكان جميل صادق الصبابة والعشق ، وكان كثيّر يقول : ـ ولم يكن عاشقا ـ وكان راوية جميل وهو الذي يقول (١) :
ألمم بعزّة إنّ الركب منطلق |
|
وإن نأتك ولم تلمم بها خرق |
قامت تراءى لنا والعين ساجية |
|
كأن إنسانها في لجّة غرق |
ثم استدار على أرجاء مقلتها |
|
مبادرا خلسات الطرف يستبق |
كأنه حين مار المأقيان به |
|
درّ تحلّل من أسلاكه نسق |
قال : وسمعت الناس يستحسنون من قوله ويقدمونه (٢) :
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما |
|
تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل |
قال : وسمعت من يطعن عليه ويقول : ما له يريد أن ينسى ذكرها.
أخبرنا أبو الحسين بن الفراء ، وأبو غالب ، وأبو عبد الله قالوا : أنبأنا أبو جعفر المعدل ، أنبأنا أبو طاهر الذهبي ، أنبأنا أبو عبد الله الطوسي ، حدّثنا الزبير قال : وحدّثني عثمان بن عبد الرّحمن قال : حضرت مجلس أبيك أبي بكر بن عبد الله بن مصعب ، وعنده عبد العزيز بن عمران الزهري ، وكان عبد العزيز يقول شعرا ضعيفا ، فقال له أبو بكر : عجبا لك يا أبا عبد الرّحمن مع عقلك كيف تقول ضعيف الشعر؟ فقال له عبد العزيز : أصلحك الله ، إنّ كثيّرا أنشد طلحة ابن عبد الله بن عوف قوله (٣) :
وإنّي على سقمي بأسماء والذي |
|
تراجع مني النفس بعد اندمالها (٤) |
لأرتاح من أسماء للذكر قد خلا |
|
وللربع من أسماء بعد احتمالها |
فقال له طلحة : إنك لقائل هذا الشعر يا أبا صخر ، فقال له كثيّر : كأنك عجبت لجودة شعري مع رأيي؟ قال : نعم ، قال كثيّر : إنّ عقلك نفذ ذلك في شعري ولم ينفذ لك في رأيي قال عبد العزيز لأبي بكر : وعقلك أصلحك الله نفذ لك في عقلي ، ولم ينفذ لك في شعري.
أخبرتنا فخر النساء شهدة بنت أحمد بن الفرج في كتابها قالت : أنبأنا جعفر بن أحمد السراج ، أنبأنا القاضي أبو الطّيّب طاهر بن عبد الله الطبري. ح وأنبأنا أبو القاسم علي بن
__________________
(١) الأبيات في ديوانه ص ١٣٠ وطبقات فحول الشعراء ص ١٦٨.
(٢) مرّ البيت قريبا.
(٣) البيتان من قصيدة ، ديوانه ص ١٩١ حكي عنه أنه قال : هي خير قصائدي.
(٤) يعني تماثله للشفاء من المرض.