فقال له عبد الملك : الأعشى أشعر منك ، فقال : يا أمير المؤمنين وما يقول الأعشى؟ قال : الأعشى يقول :
فإذا تكون كتيبة ملمومة |
|
خرساء يخشى الذّائدون ثمالها |
كنت المقدّم غير لابس جنّة |
|
بالسيف يضرب معلما أبطالها |
فلم يجعلني مكفرا في الحديد ، قال : يا أمير المؤمنين الأعشى وصف حاجبه بالتعرير ، وأنا وصفتك بالحزم.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو محمّد السكري ، أنبأنا أبو الحسن بن عبد العزيز ، قال : قرئ على أحمد بن جعفر ، أنبأنا أبو خليفة ، حدّثنا أبو عبد الله الجمحي (١) ، أخبرني عثمان بن عبد الرّحمن قال : أنشد كثيّر عبد الملك حين أزمع بالمسير إلى مصعب (٢) :
إذا ما أراد الغزو لم يثن همه (٣) |
|
كعاب (٤) عليها نظم درّ يزينها |
نهته فلما لم تر النهي عاقه |
|
بكت وبكى مما شجاها قطينها (٥) |
فقال عبد الملك : والله لكأنه شهد عاتكة بنت يزيد بن معاوية ، امرأته ، وهي أم يزيد بن عبد الملك (٦).
أخبرنا أبو العز السلمي ـ مناولة وإذنا وقرأ عليّ إسناده ـ أنبأنا محمّد بن الحسين ، أنبأنا المعافى بن زكريا (٧) ، حدّثنا محمّد بن يحيى الصولي ، حدّثنا محمّد بن يزيد ، أخبرني محمّد ابن عبد الله بن طاهر ، عن أبيه ، عن جده قال :
وفد كثيّر على عبد الملك وهو يريد الخروج إلى مصعب ، فقال له لمّا خرج : يا بن أبي جمعة ، ذكرتك بشيء من شعرك الساعة ، فإن أصبته فلك حكمك ، قال : نعم يا أمير المؤمنين ، أردت الخروج فبكت عاتكة بنت يزيد وحشمها ـ يعني امرأته ـ فذكرت قولي :
__________________
(١) الخبر والشعر في طبقات فحول الشعراء ص ١٦٧.
(٢) ديوان كثير ص ٢٣٠ من قصيدة يمدح عبد الملك بن مروان ، والأغاني ٩ / ٢١.
(٣) الديوان : عزمه.
(٤) في الديوان وطبقات فحول الشعراء والأغاني : «حصان».
(٥) القطين : الخدم والأتباع.
(٦) وكانت عاتكة ، امرأته ، قد لاذت بعبد الملك بن مروان لما أراد الخروج لحرب مصعب ، وقالت : يا أمير المؤمنين لا تخرج هذه السنة لحرب مصعب ، وبكت وبكى جواريها معها.
(٧) الخبر رواه المعافى بن زكريا الجريري في الجليس الصالح الكافي ١ / ٥٨٨ وما بعدها.