فقال عمرو بن سعيد : صدق عبيد الله ، إنك لجذم قريش وشيخها ، وسيدها ، وما ينظر الناس إلّا إلى هذا الغلام خالد بن يزيد بن معاوية ، فتزوج أمّه فيكون في حجرك ، وادع إلى نفسك ، وأنا أكفيك اليمانية ، فإنهم لا يخالفوني ـ وكان مطاعا عندهم ـ على أن تبايع لي من بعدك ، قال : نعم ، فرجع مروان وعمرو بن سعيد ومن معهما ، وقدم عبيد الله بن زياد دمشق يوم الجمعة ، فدخل المسجد ، فصلّى ، ثم خرج فنزل باب الفراديس ، فكان يركب إلى الضحّاك بن قيس كلّ يوم فيسلّم عليه ثم يرجع إلى منزله ، فقال له يوما : يا أبا أنيس ، العجب لك وأنت شيخ قريش تدعو لابن الزبير ، وتدع نفسك ، وأنت أرضى عند الناس منه ، فادع إلى نفسك ، فدعا إلى نفسه ثلاثة أيام ، فقال له الناس : أخذت بيعنا وعهودنا لرجل ثم تدعو إلى خلعه من غير حدث أحدثه ، فلمّا رأى ذلك عاد إلى الدعاء لابن الزبير ، فأفسده ذلك عند الناس وغيّر قلوبهم عليه ، فقال عبيد الله بن زياد ومكر به من أراد ما نريد لم ينزل المدائن والحصون ، يبرز ويجمع إليه الخيل ، فاخرج عن دمشق واضمم إليك الأجناد ، فخرج الضحّاك فنزل المرج (١) وبقي عبيد الله بدمشق ومروان وبنو أمية بتدمر ، وخالد وعبد الله ابنا يزيد بن معاوية بالجابية عند خالهما حسان بن مالك بن بحدل ، فكتب عبيد الله إلى مروان : أن ادع الناس إلى بيعتك واكتب إلى حسّان بن مالك فليأتك ، فإنه لن يردك عن بيعتك ، ثم سر إلى الضحّاك فقد أصحر لك.
فدعا مروان بني أمية ومواليهم فبايعوه (٢) ، وتزوج أم خالد بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة وكتب إلى حسّان بن مالك بن بحدل يدعوه إلى أن يبايع له ويقدم عليه ، فأبى ، فأسقط في يدي مروان ، فأرسل إلى عبيد الله ، فكتب إليه (٣) عبيد الله : أن اخرج إليه فيمن معك (٤) من بني أمية.
فخرج إليه مروان وبنو أمية جميعا معه وهو بالجابية والناس بها مختلفون ، فدعوه إلى
__________________
(١) يعني مرج راهط.
(٢) كانت بيعة مروان بن الحكم ، كمرشح تسوية وإجماع بعد احتدام الصراع بين مختلف الأجنحة الممثلة للسلطة الأموية على مختلف الاتجاهات.
راجع ما لاحظناه وكتبناه عن ارتباك الأسرة الأموية بعد موت يزيد بن معاوية كتاب الإمامة والسياسية ٢ / ٢٠ وما بعدها (طبعة ـ بيروت).
(٣) تحرفت بالأصل وم و «ز» ، ود ، إلى : «إلى» والمثبت عن ابن سعد.
(٤) بالأصل وم و «ز» : «نقل» والمثبت عن ابن سعد.