فكان يأمر الضحّاك بن قيس الفهري يصلي بالناس بدمشق ، فلما ثقل معاوية بن يزيد قيل له : لو عهدت إلى رجل عهدا واستخلفت خليفة ، فقال : والله ما نفعتني حيّا ، فأتقلّدها ميتا ، وكان خيرا فقد استكثر منه آل أبي سفيان ، لا تذهب بنو أمية بحلاوتها وأتقلّد مرارتها ، والله لا يسألني الله عن ذلك أبدا (١) ، ولكن إذا متّ فليصلّ عليّ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وليصلّ بالناس الضحّاك بن قيس حتى يختار الناس لأنفسهم ، ويقوم بالخلافة قائم ، فلمّا مات صلى عليه الوليد ، وقام بأمر الناس الضحّاك بن قيس ، فلما دفن معاوية بن يزيد قام مروان على قبره فقال : أتدرون من دفنتم؟ قالوا : معاوية بن يزيد ، فقال : هذا أبو ليلى (٢) ، فقال أزنم (٣) الفزاري (٤) :
إني أرى فتنا تغلي مراجلها |
|
والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا |
واختلف الناس بالشام ، فكان أوّل من خالف من أمراء الأجناد ودعا إلى ابن الزبير النعمان بن بشير بحمص ، وزفر بن الحارث بقنّسرين ، ثم دعا الضحّاك بن قيس بدمشق الناس سرا ، ثم دعا الناس إلى بيعة ابن الزبير علانية ، فأجابه الناس إلى ذلك ، وبايعوه ، وبلغ ذلك ابن الزبير ، فكتب إلى الضحّاك بن قيس بعهده على الشام ، فكتب الضحّاك إلى أمراء الأجناد ممن دعا إلى ابن الزبير ، فأتوه ، فلما علم مروان ذلك خرج يريد ابن الزبير بمكة ليبايع له ، ويأخذ منه أمانا لبني أمية ، وخرج معه عمرو بن سعيد بن العاص ، فلمّا كانوا بأذرعات (٥) وهي مدينة البثنية (٦) لقيهم عبيد الله بن زياد مقبلا من العراق ، فقال لمروان : أين تريد ، فأخبره ، فقال : سبحان الله ، أرضيت لنفسك تبايع لأبي خبيب ، وأنت سيّد بني عبد مناف ، والله لأنت [أولى](٧) بها منه ، فقال له مروان : فما الرأي؟ قال : أن ترجع وتدعو إلى نفسك ، وأنا أكفيك قريشا ومواليها ، ولا يخالفك منهم أحد.
__________________
(١) راجع ما جاء في الإمامة والسياسة ٢ / ١٧ ـ ١٨.
(٢) أبو ليلى كنية معاوية بن يزيد بن معاوية ، وكانت هذه الكنية للمستضعف من العرب كما في مروج الذهب.
(٣) بالأصل وم و «ز» : أرثم ، وبدون إعجام في د ، وشطبت اللفظة في «ز» ، وكتب على الهامش : «أزنم» وهو ما أثبت وهو يوافق ابن سعد.
(٤) البيت في البداية والنهاية ٨ / ٢٦١ ومروج الذهب ٣ / ٨٨ والمعارف ص ١٥٤.
(٥) أذرعات : تقدم التعريف بها.
(٦) البثنية : اسم ناحية من نواحي دمشق (معجم البلدان).
(٧) استدركت عن هامش الأصل ، وبعدها صح.