طلحة بن عبيد الله واقفا فقال : والله إن دم عثمان [إلّا](١) عند هذا ، هو كان أشدّ الناس عليه ، وما أطلب أثرا بعد عين ، ففوّق له بسهم فرماه به فقتله ، وقاتل مروان أيضا حتى ارتثّ فحمل إلى بيت امرأة من عنزة ، فداووه وقاموا عليه ، فما زال آل مروان يشكرون ذلك لهم.
وانهزم أصحاب الجمل ، وتوارى مروان حتى أخذ الأمان له من علي بن أبي طالب ، فأمّنه ، فقال مروان : ما تقرّني نفسي حتى آتيه فأبايعه ، فأتاه ثم انصرف مروان إلى المدينة ، فلم يزل بها ـ أي المدينة ـ حتى ولي معاوية بن أبي سفيان الخلافة ، فولّى مروان بن الحكم المدينة سنة اثنين وأربعين ، ثم عزله وولّى سعيد بن العاص ثم عزله ، وأعاد (٢) مروان ثم عزله ، وأعاد سعيد بن العاص فعزله ، وولّى الوليد (٣) بن عتبة بن أبي سفيان ، فلم يزل على المدينة حتى مات معاوية ، ومروان يومئذ معزول عن المدينة ، ثم ولّى يزيد بعد الوليد بن عتبة المدينة عثمان بن محمّد بن أبي سفيان ، فلمّا وثب أهل المدينة أيام الحرّة أخرجوا عثمان بن محمّد وبني أمية من المدينة فأجلوهم عنها إلى الشام ، وفيهم مروان بن الحكم ، وأخذوا عليهم الأيمان أن لا يرجعوا إليهم ، وإن قدروا أن يردوا هذا الجيش الذي قد وجّه إليهم مع مسلم بن عقبة المرّي أن يفعلوا.
فلمّا استقبلوا مسلم بن عقبة سلّموا عليه ، وجعل يسائلهم عن المدينة وأهلها ، فجعل مروان يخبره ويحرّضه عليهم ، فقال له مسلم : ما ترون؟ تمضون إلى أمير المؤمنين أو ترجعون معي؟ قالوا : بل نمضي إلى أمير المؤمنين ، وقال مروان من بينهم : أما أنا فأرجع معك ، فرجع معه مؤازرا له ، معينا له على أمره ، حتى ظفر بأهل المدينة وقتلوا وانتهبت المدينة ثلاثا.
وكتب مسلم بن عقبة بذلك إلى يزيد ، وكتب يشكر مروان بن الحكم ويذكر معاونته إيّاه ومناصحته ومقاومته وقيامه معه ، وقدم مروان على يزيد بن معاوية الشام ، فشكر ذلك له يزيد وقرّبه وأدناه ، فلم يزل مروان بالشام حتى مات يزيد بن معاوية ، وقد كان عقد لابنه معاوية بن يزيد بالعهد بعده ، فبايع له الناس ، وأتته بيعة الآفاق إلّا ما كان من ابن الزبير وأهل مكة ، فولي ثلاثة (٤) أشهر ، ويقال : أربعين ليلة ، ولم يزل في البيت لم يخرج إلى الناس ، كان مريضا (٥) ،
__________________
(١) زيادة عن ابن سعد.
(٢) بالأصل وم و «ز» ، ود : «واتخذ» والمثبت عن ابن سعد.
(٣) بالأصل وم و «ز» ، ود : المدينة.
(٤) تحرفت بالأصل ، و «ز» ، وم ، إلى : «عليه» والمثبت عن ابن سعد ، ود.
(٥) لم يرد في الطبري ولا في ابن الأثير ولا عند المسعودي أنه كان مريضا. قال المسعودي في مروج الذهب : وقد تنوزع في سبب وفاته فمنهم من رأى أنه سقي شربة ومنهم من رأى أنه مات حتف أنفه ، ومنهم من رأى أنه طعن (مروج الذهب ٣ / ٨٩).