بعث هارون الرشيد إلى الكوفة إلى أبي بكر بن عيّاش ، فأحضره ، فخرج ومعه وكيع (١) ، فلما قدم استأذن على الرشيد ، فأذن له فدخل ، قال : ووكيع يقوده ـ وكان قد ضعف بصره ـ فلمّا رآه الرشيد قال له : يا أبا بكر ، ادن ، فلم يزل يدنيه ، فلمّا قرب منه ، قال وكيع : تركته ، ووقفت حيث أسمع كلامه ، فقال له الرشيد : يا أبا بكر ، قد أدركت أيام بني أمية ، وأدركت أيامنا ، فأيّنا كان خيرا؟ قال وكيع : فقلت : اللهمّ ثبّت الشيخ ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أولئك كانوا أنفع للناس ، وأنتم أقوم بالصلاة ، فصرفه الرشيد ، وأجازه بستة آلاف ، وأجاز وكيعا بثلاثة آلاف ، أو كما قال ابن أبي شيبة.
أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الوحش سبيع بن المسلّم عن رشأ بن نظيف ، أنا أبو الفتح إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن الحسين ، أنا أبو بكر محمّد بن يحيى الصولي ، حدّثني أبو خليفة ، نا سعيد بن سليمان المهري قال : قال أبو الحسن المدائني والهيثم بن عدي وابن الكلبي وغيرهم قالوا :
كان مروان بن محمّد بن مروان عظيم المروءة والكبر ، يحب اللهو ، والسماع ، والنشيد غير أنه شغل بالحرب ، ولم يكن شيء أحبّ إليه من الحركة والأسفار (٢).
وقال عبد الله بن عيّاش : دخلت إليه يوما فقال : أتعرف شعرا فيه :
وما زالت رقاك تسل ضغني |
|
وتخرج عن أماكنها ضبابي |
فتوهمت أنه سمع من يتغناه فحفظه ، فقلت : نعم ، هذا شعر قيل في عمك وجدك ، أشهر في أهل بيتك من الشمس نهارا ، ثم أنشده من قوله فيها :
أبوك حمى أمية حين زالت |
|
دعائمها وأصحب للضّراب |
وكان الملك قد نصلت مداه |
|
فردّ الملك منها في النّصاب |
حتى أمرت القصيدة بأسرها ، ثم نهضت فلمّا توسطت الدار إذا خادم قد لحقني ، قال : يقول لك أمير المؤمنين ، قد استحسنت القصيدة فاكتبها لنا وجئنا بها ، قال : فقلت في نفسي : عليك لعنة الله من وارث نعمة ما جهلت هذا الشعر وأنت تعرف شيئا.
قرأت في كتاب أبي الحسين الرازي ، أنا أحمد بن عمير بن يوسف ، نا أبو عبيد الله
__________________
(١) يعني وكيع بن الجراح الرؤاسي ، أبو سفيان ، راجع ترجمته في تاريخ بغداد ١٣ / ٤٩٦.
(٢) سير أعلام النبلاء ٦ / ٧٥ وتاريخ الإسلام (ترجمته) ص ٥٣٥.