الفاعل لا يجوز حذفه دون عامله ، فكذلك هذا. لو قلت : زيد ممدود أو مغضوب ، تريد به أو عليه ، لم يجز. و (سَواءِ الْجَحِيمِ) : وسطها ، تقول : تعبت حتى انقطع سوائي. قال ابن عباس : سمي سواء لاستواء المسافة منه إلى الجوانب ، يعني سواء الجحيم.
وقال خليل العصري : رآه : تبدلت حاله ، فلو لا ما عرفه الله به لم يعرفه ، قال له عند ذلك : (تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) : أي لتهلكني بإغوائك. وإن مخففة من الثقيلة ، يلقي بها القسم ؛ وتالله قسم فيه التعجب من سلامته منه إذا كان قرينه قارب أن يرديه. (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي) : وهي توفيقه للإيمان والبعد من قرين السوء ، (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) للعذاب ، كما أحضرته أنت. (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) ، قرأ زيد بن عليّ : بمائتين ، والظاهر أنه من كلام القائل : يسمع قرينه على جهة التوبيخ له ، أي لسنا أهل الجنة بميتين ، لكن الموتة الأولى كانت لنا في الدنيا ، بخلاف أهل النار ، فإنهم في كل ساعة يتمنون فيها الموت.
(وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) ، كحال أهل النار ، بل نحن منعمون دائما. ويكون في خطابه ذلك منكلا له ، مقرعا محزنا له بما أنعم الله به عليه من دخول الجنة ، معلما له بتباين حاله في الآخرة بحاله. كما كانتا تتباينان في الدنيا من أنه ليس بعد الموت جزاء ظهر له خلافه ، يعذب بكفره بالله وإنكار البعث. ويجوز أن يكون خطابا من القائل لرفقائه ، لما رأى ما نزل بقرينه ، وقفهم على نعمه تعالى في ديمومة خلودهم في الجنة ونعيمهم فيها. ويتصل قوله : (إِنَّ هذا) إلى قوله : (الْعامِلُونَ) بهذا التأويل أيضا ، لا واضحا خطابا لرفقائه. ويجوز أن يكون تم كلامه عند قوله : (لَتُرْدِينِ) ، ويكون (أَفَما نَحْنُ) إلى (بِمُعَذَّبِينَ) من كلامه وكلام رفقائه ، وكذلك (إِنَّ هذا) إلى (الْعامِلُونَ) : أي إن هذا الأمر الذي نحن فيه من النعيم والنجاة من النار. وقيل : هو من قول الله تعالى ، تقريرا لقولهم وتصديقا له وخطابا لرسول الله وأمّته ، ويقوي هذا قوله : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) ، والآخرة ليست بدار عمل ، ولا يناسب ذلك قول المؤمن في الآخرة إلا على تجوز ، كأنه يقول : لمثل هذا ينبغي أن يعمل العاملون. وقال الزمخشري : الذي عطف عليه الفاء محذوف معناه : أنحن مخلدون؟ أي منعمون ، فما نحن بميتين ولا معذبين. انتهى. وتقدم من مذهبه أنه إذا تقدمت همزة الاستفهام ، وجاء بعدها حرف العطف بضمير ما ، يصح به إقرار الهمزة والحرف في محليهما اللذين وقعا فيهما ، ومذهب الجماعة أن حرف العطف هو المقدم في التقدير ، والهمزة بعده ، ولكنه لما كانت الهمزة لها صدر الكلام قدمت ، فالتقدير عند الجماعة. فأما وقد رجع الزمخشري إلى مذهب الجماعة ، وتقدم الكلام معه في ذلك.