فيما بعدها ما قبلها. فقوله : (أَوَآباؤُنَا) مبتدأ ، خبره محذوف تقديره مبعوثون ، ويدل عليه ما قبله. فإذا قلت : أقام زيد أو عمرو ، فعمرو مبتدأ محذوف الخبر لما ذكرنا ، واستفهامهم تضمن إنكارا واستبعادا ، فأمر الله نبيه أن يجيبهم بنعم.
(وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) : أي صاغرون ، وهي جملة حالية ، العامل فيها محذوف تقديره نعم تبعثون ، وزادهم في الجواب أن بعثهم وهم ملتبسون بالصغار والذل. وقرأ ابن وثاب : نعم بكسر العين ، وتقدم الخلاف فيها في سورة الأعراف ، وهي كناية عن البعثة ، فإنما بعثتهم (زَجْرَةٌ) : أي صيحة ، وهي النفخة الثانية. لما كانت بعثتهم ناشئة عن الزجرة جعلت إياها مجازا. وقال الزمخشري : هي مبهمة يوضحها خبرها. انتهى. وكثيرا ما يقول هو وابن مالك أن الضمير يفسره الخبر ، وجعل من ذلك ابن مالك (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) (١) ، وتكلمنا معه في ذلك في شرح التسهيل. وقال الزمخشري : فإنما جواب شرط مقدر ، وتقديره : إذا كان ذلك ، فما هي إلا زجرة واحدة. انتهى. وكثيرا ما تضمن جملة الشرط قبل فاء إذا ساغ ، تقديره : ولا ضرورة تدعو إلى ذلك ، ولا يحذف الشرط ويبقى جوابه إلا إذا انجزم الفعل في الذي يطلق عليه أنه جواب الأمر والنهي ، وما ذكر معهما على قول بعضهم ، أما ابتداء فلا يجوز حذفه.
و (يَنْظُرُونَ) : من النظر ، أي فإذا هم بصراء ينظرون ، أو من الانتظار ، أي فإذا هم ينتظرون ما يفعل بهم وما يؤمرون به. والظاهر أن قوله : (يا وَيْلَنا) من كلام بعض الكفار لبعض ، إلى آخر الجملتين ، أقروا بأنه يوم الجزاء ، وأنه يوم الفصل ، وخاطب بعضهم بعضا. ووقف أبو حاتم على قوله : (يا وَيْلَنا) ، وجعل (هذا يَوْمُ الدِّينِ) إلى آخره من قول الله لهم أو الملائكة. وقيل : (هذا يَوْمُ الدِّينِ) من كلام الكفرة ، و (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) ليس من كلامهم ، وإنما المعنى يقال لهم هذا يوم الفصل. ويوم الدين : يوم الجزاء والمعاوضة ، ويوم الفصل : يوم الفرق بين فرق الهدى وفرق الضلال. وفي (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) توبيخ لهم وتقريع.
(احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ ، مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ ، وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ، ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ ، بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ ، قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ ، قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا
__________________
(١) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٣٧.