الجارحة ، وليست مرادة هنا. فقيل : استعيرت لجهة الخير ، أو للقوة والشدة ، أو لجهة الشهوات ، أو لجهة التمويه والإغواء وإظهار أنها رشد ، أو الحلف. ولكل من هذه الاستعارات وجه.
فأما استعارتها لجهة الخير ، فلأن الجارحة أشرف العضوين وأيمنها ، وكانوا يتمنون بها حتى في السانح ، ويصافحون ويماسحون ويناولون ويزاولون بها أكثر الأمور ، ويباشرون بها أفاضل الأشياء ، وجعلت لكاتب الحسنات ، ولأخذ المؤمن كتابه بها ، والشمال بخلاف ذلك. وأما استعارتها للقوة والشدة ، فإنها يقع بها البطش ، فالمعنى : أنكم تعروننا بقوتكم وتحملوننا على طريق الضلال. وأما استعارتها لجهة الشهوات ، فلأن جهة اليمين هي الجهة الثقيلة من الإنسان وفيها كبده ، وجهة شماله فيها قلبه ومكره ، وهي أخف ، والمنهزم يرجع على شقه الأيسر ، إذ هو أخف شقيه. وأما استعارتها لجهة التمويه والإغواء ، فكأنهم شبهوا أقوال المغوين بالسوانح التي هي عندهم محمودة ، كأن التمويه في إغوائهم أظهر ما يحمدونه. وأما الحلف ، فإنهم يحلفون لهم ويأتونهم إتيان المقسمين على حسن ما يتبعونهم فيه.
(قالُوا) ، أي المخاطبون ، إما الجن وإما قادة الكفر : (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) : أي لم نقركم على الكفر ، بل أنتم من ذواتكم أبيتم الإيمان. وقال الزمخشري : وأعرضتم مع تمكنكم واختباركم ، بل كنتم قوما على الكفر غير ملجئين ، وما كان لنا عليكم من تسلط نسلبكم به تمكنكم واختباركم ، بل كنتم قوما مختارين الطغيان. انتهى. ولفظة التمكن والاختيار ألفاظ المعتزلة جريا على مذهبهم. (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا) : أي لزمنا قول ربنا ، أي وعيده لنا بالعذاب. والظاهر أن قوله : (إِنَّا لَذائِقُونَ) ، إخبار منهم أنهم ذائقون العذاب جميعهم ، الرؤساء ، والأتباع. وقال الزمخشري : فلزمنا قول ربنا : (إِنَّا لَذائِقُونَ) ، يعني وعيد الله بأنا ذائقون لعذابه لا محالة ، لعلمه بحالنا واستحقاقنا بها العقوبة. ولو حكى الوعيد كما هو لقال : إنكم لذائقون ، ولكنه عدل به إلى لفظ المتكلم ، لأنهم متكلمون بذلك عن أنفسهم ، ونحوه قول القائل :
لقد زعمت هوازن قل مالي
ولو حكى قولها لقال : قل مالك ، ومنه قول المحلف للحالف. لأخرجن ، ولنخرجن الهمزة لحكاية لفظ الحالف ، والتاء لإقبال المحلف على الحلف. انتهى. (فَأَغْوَيْناكُمْ) : دعوناكم إلى الغي ، فكانت فيكم قابلية له فغويتم. (إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) : فأردنا أن تشاركونا