قلت : وكأنهما إذا توجها نحو البيت الحرام ينزل إليهما الملكان قبل ذهابهما ؛ فلا يخالف ما تقدم ، فالظاهر أن ما ذكره القاضي هو الترك الأول ، وسببه فيما يظهر كائنة الحرة ، وقد تقدم من حديث أبي هريرة أنه قيل له : من يخرجهم منها يا أبا هريرة؟ قال : أمراء السوء ، وروى الشيخان ـ واللفظ لمسلم ـ عن أبي هريرة مرفوعا «يهلك أمتي هذا الحي من قريش ، قالوا : فما تأمرنا؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم».
وروى مسلم عن حذيفة رضياللهعنه قال : «قام فينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم مقاما ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به ، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه» الحديث ، وفي رواية عنه : أخبرني رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما هو كائن إلى أن تقوم القيامة ، فما من شيء إلا قد سألته ، إلا أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة ، وروى الترمذي حديثا «إذا مشت أمتي المطيطا (١) ، وخدمتهم بنات فارس والروم ، رد الله بأسهم بينهم ، وسلط شرارهم على خيارهم». وروى ابن شبة عن أبي هريرة رضياللهعنه قال : «والذي نفسي بيده ليكونن بالمدينة ملحمة يقال لها الحالقة ، لا أقول حالقة الشعر ، ولكن حالقة الدين ، فاخرجوا من المدينة ولو على قدر بريد».
وروى ابن أبي شيبة عنه أنه قال : اللهم لا تدركني سنة ستين ، ولا إمرة الصبيان ، يشير إلى أن أول الأغيلمة كان في سنة ستين ، وهو كذلك ، كما قاله الحافظ ابن حجر ، فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها ، فأشار إلى دولة يزيد وفيها كانت وقعت الحرة ، وتسمى حرة واقم ، وحرة زهرة.
وروى الواقدي في كتاب الحرة عن أيوب بن بشير المعادي أن النبي صلىاللهعليهوسلم «خرج سفرا من أسفاره ، فلما مر بحرة زهرة وقف واسترجع ، فسيء بذلك من معه ، فظنوا أن ذلك من أمر بسفرهم ، فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، ما الذي رأيت؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : أما إن ذلك ليس من سفركم هذا ، قالوا : فما هو يا رسول الله قال؟ يقتل في هذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي».
وروي أيضا عن سفيان بن أبي أحمد قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أشرف على بني عبد الأشهل أشار بيده ، فقال : «يقتل بهذه الحرة خيار أمتي» وروي أيضا عن كعب قال : نجد في التوراة أن في حرة شرقي المدينة مقتلة تضيء وجوههم يوم القيامة صنعا» وروى أيضا أنه ذكر عند ابن عباس قتلى الحرة ، فقال ابن عباس : يرحمهمالله ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «يقتل بحرة زهرة خيار أمتي».
__________________
(١) المطيطاء : التبختر في المشي ومد اليدين.